هل "تفرمل" كورونا العولمة المتوحشة؟
يعيش العالم هذه الفترة كابوساً اسمه كورونا الجديد والذي خرج فجأة في مدينة صينية لينطلق ويعم العالم بحيث لم يسلم منه أي دولة في كافة قارات العالم وخلال فترة زمنية قصيرة جعلت حكومات كثيره من دول العالم في حالة ارتباك وحيرة، لقد كان سهولة وسرعة انتقال وانتشارهذا الوباء هو نتاج من هيمنة وسيطرة مبدأ العولمة الذي ساد خلال العشرين عاماً الماضية حيث كان فتح الحدود وسرعة التواصل هي"الكليشة التنموية" التي لم يكن يستطيع أحد ان يتساءل عن جدواها واهمية ضبطها.
كان عتاة "العولميين" من مفكرين وسياسيين يصولون ويجولون ويرفعون الصوت ولم يكن أحد قادراً على ان يقول لهم "أحم ولا دستور" لانذلك معناه تعرضه الى هجمة قد تلغي وجوده المعنوي وحتى المادي، لقد كانت العولمة وفلسفتها والمؤسسات التي شيدت لتنفيذها (تابو محرم) لا يمكن المساس به بل ان المطلوب هو التمسح والتبرك بأصنامه والعياذ بالله.
لقد شهد العالم اندفاعاً غير منضبط لفتح الحدود وتحرير التجارة وقتل الروح المحلية والإنتاج المحلي في سبيل إنجاح العولمة ففقد كل مجتمع لمسته الخاصة ومكونه المتوارث في الإنتاج والحصانة وأصبحت قارات العالم صورة مشوهه للحراك الذي لا هدف له باسم العولمة.
طبعاً كان الرابح الأكبر هم عتاة الرأسمالية اللذين همهم الأول زيادة ارصدتهم المالية وفتح أكبر عدد من الجهات التسويقية والعمل على تهميش كثير من الضوابط والمعايير التي تضمن الجودة والسلامة في المنتجات، لقد أصبحت أسواق العالم مفتوحة لكل منتج دافعها الجشع الاستهلاكي بوتيرة يعلم كل عاقل انها في طريقها لتدمير الموارد الاقتصادية ورفع نسبة التلوث وزيادة الاخطار الصحية كان هذا الواقع مشاهداً ولكن صوت العولميون كان قوياً ومؤثراً في اتخاذ القرارات.
وعندما حصلت فاجعة كورونا الجديد الذي انطلق بسرعة الضوء غامراً كافة انحاء العالم ارتبك الجميع وتردد السياسيون في اتخاذ ما يلزم خوفاً من المساس بجسم العولمة المزين بالمكياج ولكن ذلك لم يستمر كثيرا فالحق أحق ان يتبع فانطلق الجميع الى الحمائية والخصوصية ناسفين كارثة العولمة المسمومة ومحاولين دفع شرورها.
ان كارثة كورونا الجديد هي جرس انذار لكل ذي عقل لأن تحقيق التنمية انطلاقا من مبدأ العولمة الفضفاض ليس كله خيراً بل ان كثيره شراًإذا لم يضبط ويوضع في إطار المصلحة المحلية المتزنة.
ان العالم يشهد اليوم اغلاقاً للدول وقطعاً للتواصل مع الاخرين بمنظر سريالي لم يكن احد يتخيل حدوثه ولكنه الواقع الذي نراه امام اعيينافالمطارات تغلق والحدود توصد امام الاخرين والبضائع تمنع من التصدير فالأمر اصبح " يا روح ما بعدك روح" . ان جائحة كورونا الجديددقت مسماراً في نعش العولمة المشؤوم واصبح المستقبل يتطلب بناء أسس اكثر عقلانية وعدالة بين دول العالم تقوم على التعاون الخير الذييحترم امكانياتها وخصوصيتها ومواردها الاقتصادية التي يجب ان تستثمر بعقلانية واتزان .لقد اصبح من الضروري العودة الى المبادئالتنموية التي تراعي مصالح المجتمعات المحلية واصبح من الواجب على كل مجتمع ان ينظر الى محيطه ضمن مقولة "ويل لمجتمع لا يأكلمما يزرع ولا يلبس مما يصنع"
ان هذه الفلسفة التنموية البسيطة لا تعني عدم التعاون الدولي والانفتاح الإنساني ولكنها فلسفة تنموية تدعو الى الفرملة وإيقاف جشعالعولمة ومعالجة تشوهاتها التنموية واستباحتها لحقوق الانسان المعيشية البسيطة. كما ان فرملة العولمة تدفع الجميع الى زيادة التواصلالدولي الإنساني عن طريق المنظمات الدولية في الأمم المتحدة التي شهدت حرباً من العولميين ولكن اثبتت احداث كورونا انها تستحقالاحترام والدعم ولعل ما قامت به منظمة الصحة العالمية نقطة ضوء في ظلام التوحش العولمي الرأسمالي.
اخيراً علينا كسعوديين ان نحمد الله ونشكره كثيراً على ما نحن عليه من نعم حيث قامت حكومتنا بقيادة خادم الحرميين الشريفين الملكسلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان فارس وقائد هذه المرحلة التنموية من تاريخنا وكذلك منسوبي هذه البلاد فيكافة الجوانب قام الكل بما يمليه الضمير وحس المسؤولية لحماية الوطن والمواطن والمقيم بشكل مذهل سبقنا به كثير من دول العالم بل انناتعرضنا لانتقادات في بداية إجراءات حماية المجتمع واليوم الكل عاد لها حتى من اعتى دعاة العولمة وسلاطين المال الدولي، لقادتنا الشكروالعرفان والدعاء بالتوفيق لقد اثبتم مراراً وتكراراً انه عندما يكون الوطن والمواطن في حاجة حماية فإنكم يا قادتنا تكونون في الصفوفالأولى ولا تبخلون بالغالي والثمين في بذل المطلوب.
الحمد لله من قبل ومن بعد وعاشت الإنسانية العادلة وحمى الله البشرية من شرور التغول العولمي المادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق