كمْ تَشْتَكِي
وَتَقُولُ إِنَّكَ مُعْدَمُ وَالْأَرْضُ مِلْكُكَ وَالسَّمَاء وَالْأَنْجُمُ؟
إن هذه الملكية الواردة في البيت الشعري
تدعو كل إنسان عاقل بأن يمعن النظر في حاله وأن يتذكر أن الله أعطاه من الخير الشيء
الكثير وعلى رأس ذلك حريته الشخصية التي لا تقدر بثمن بل هي أغلى وأنفس ما يملكه أو
يرغب في ملكيته. لقد كثر بين الناس التكالب على الدنيا وهيمن عليها حب الاستهلاك والإنصياع
للفكر الرأسمالي الذي حول الإنسان إلى آلة لاهثة نحو التسوق وجمع الثروات وأصبح لا
يملأ عين الإنسان أي شيء. فمن يملك بيتاً يريد قصراً ومن كان عنده سيارة يرغب بعدد
من السيارات بما في ذلك نوعياتها وموديلاتها المستمرة في التغير والتجدد بل وصل الحال إلى تحمل البعض القروض والديون في سبيل المظاهر الزائفة والهوس الاستهلاكي. لقد أصبحنا
مثل من يشرب من الماء المالح فكل ما شرب غرفة زاد ضمأه والعياذ بالله. إن حقيقة الهلع
الاستهلاكي والتراكض نحوه أصبح أمراً مشاهداً وفقد الكثيرين الطمأنينة وراحة البال.
فالجميع مستمر في البحث عن المزيد ولم يعد قانعاً بماعنده من خير ونعمة وافرة. وقد
يقول قائل أن لا ضرر في ذلك فالإنسان يفترض به أن يكون طموحاً باحثاً عن تحسين حياته
ورافعاً من مستوى جودتها بما في ذلك حجم
ونوع استهلاكه. ولكن السؤال المهم هنا هو هل راعى في سبيل تحقيق ذلك الجوانب الأخرى
المهمة ذات الصلة في وجوده مثل محافظته على صحته ورعايته لأسرته وتحقيق الاتزان والتوازن
النفسي في يومه؟ إن إجابة السؤال متروكة لكم
ويمكنكم إصدار الحكم من واقعكم ومن تجاربكم وملاحظاتكم على محيطكم الاجتماعي. ولكن الظاهرة المشاهدة أن الكثيرين في ركض مستمر
وإنشغال كبير حيث يقضون معظم اليوم بين المكاتب وأمكنة العمل والاتصالات ذات العلاقة
التي لا تترك وقتاً للنوم أو الأكل السليم أو الصحة السعيدة المفرحة سواء مع أفراد
العائلة أوالأصدقاء المقربين. الكل مشغول والكل يعد الساعات ويشتكي من أنها غير كافية
لإنجاز ما يرغب في إنجازه. كم من واحد أجل إجازته السنوية وكم من واحد مرت عليه الإجازات
الأسبوعية وكأنها استكمالاً لأوقات العمل ولكن بطريقة أخرى. ومع كل ذلك ومع ما فيه
من عيوب إلا أنه لا يحقق المطلوب فما أكثر الشاكين من قلة الوقت ومن عدم كفاية الموارد
المالية لتلبية الاحتياجات وتحقيق الطموحات. فمتى نقف ونعيد أولوياتنا ونرتب حياتنا
ضمن منظور لا إفراط ولا تفريط. متى نستوعب
أن النهم الاستهلاكي لا نهاية له فهما عملت في هذا الجانب فستجد عندك قصور ونقص.
أنها دعوة صادقة للعودة إلى الطبيعة والتمتع
بصفائها وبساطتها. إنها دعوة من وحي التجربة فلا شيء يعدل راحة البال والرضا بما قسم
الله وقطف ثمار السعادة مما حولك سواء كان بشراً أو جماداً فالعمر يمضي وما فات لا
يعود.
هَشَّتْ لَكَ الدُّنْيَا فَمَا لَكَ وَاجِمًا وَتَبَسَّمَتْ فَعَلَامَ لَا
تَتَبَسَّمُ
تمتع بوقتك وقلل شكواك من الزمان وقلة الوقت ونقص الاحتياجات المادية فهذا طريق لا نهاية له فالحياة ومضات زمنية تمر كسرعة البرق فمن فاته ذلك فلن يستطيع استعادة ما مر. يقول الشاعر الكبير والمبدع صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل :
اليا صفا لك زمانك علّ ياظامي اشرب قبل لايحوس الطين صافيها
هل نتعظ وننعم بما لدينا أم نقضي وقتنا في
الشكوى والتذمر؟
دعونا نختم هذه الخواطر كما بدأناها بحكمة شعرية
جميلة للشاعر إيليا أبو ماضي حيث قال:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق