الاثنين، 6 مايو 2024

البدر كما عرفته عن بعد


يعتبر صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن رائداً من رواد التحديث في الشعر في المملكة العربية السعودية . وكان رحمه الله رمزاً يتفق حول تفرده أغلب الشعراء ومتابعي الشعر فهو مدرسة مستقلة بذاتها أحدثت نقلة واضحة منذ بداية السبعينات الميلادية . وأصبح أغلب الشعراء الشباب ينظرون له كرمز يقتدون به ويحاولون السير على منهاجه الجديد الذي لم يكن معروفاً قبل ظهور البدر وتسيده الساحة الشعرية مع كوكبة أخرى من الشعراء المبدعين .

وبدر بن عبدالمحسن لم يكن شاعراً مميزاً فقط ولكنه كان فناناً ذو إحساس مرهف. وكان إلى جانب شاعريته ذو ذائقة فنية في مجال الرسم وكأن الشعر والرسم جناحان يطير بهما في سماء الحب والتجلي الروحي الذي كان ينشده ويسعد به .

طبعاً أنا لم يكن لي احتكاك مباشر ومعرفة وثيقة بالبدر على المستوى الشخصي ولكنني كنت شاهداً على مرحلة بزوغه المبهرة. في أوائل السبعينات الميلادية ساد الساحة الفنية حراك غير معتاد وذلك عندما أطلق بدر بن عبدالمحسن مع الفنان الكبير طلال مداح رحمه الله أغنية "عطني المحبة" والتي قلبت طاولة الفن والذوق الفني كلاماً ولحناً وأداءاً . فقد عمل الثنائي على مشروع تجديدي انطلق في حفلة خالدة أقيمت على مسرح إدارة تعليم الرياض الواقع في جنوب شارع الوشم وشرق طريق المطار (لا أعلم إن كان لايزال موجوداً أم لا) وبعد هذه الحفلة لم يكن الحديث إلا عن البدر وطلال وماقدماه من نقلة مبهرة للفن السعودي والتي رسمت المسار لما جاء بعدها. وكتبت الصحف عن ذلك بانبهار وإعجاب وسطرت الصحف كلمات الثناء والتقدير للثنائي الإستثنائي.

ثم برز البدر كرائد تنويري حداثي وأوكلت له إدارة الجمعية السعودية للفنون في خطوة إدارية تعكس فكر القيادة الاستشرافي للمستقبل ورغبتها في تحديث جميع نواحي الحياة. وكانت فترة بدر بن عبدالمحسن في الجمعية السعودية للفنون هي فترة الغرس والعناية والإنطلاقة للفنون السعودية بشكلها الحديث والمتنوع. التاريخ شاهد على الإنجازات والمنجزات التي ليس هذا مكانها في المقالة. 

كانت فترة السبعينات والثمانينيات فترة ذهبية للمبدع بدر بن عبدالمحسن وكان النجاح مقترناً باسمه. وكان يهتم ويعتني بالشعراء الشباب ويوجههم وهم ينظرون له كرمز وقائد للمسيرة الشعرية السعودية الحديثة . ومن تواصله المستمر مع الشعراء أذكر أنني حضرت مناسبة أقامها الأخ والصديق والشاعر ماجد الشاوي على شرف البدر وبحضور كوكبة من شعراء تلك الفترة وكانت ليلة مفعمة بالشعر والأدب والسمو. ومما لفت نظري هو تواضعه الجم وقربه النفسي والروحي لكل من يكون حوله وكأن من يراه لأول مره يحس أن معرفتهم به ضاربة بعمق الزمن. وكان جمال روحه وصفاء نفسه يعادل في جلسته تلك الليلة روعة شعره وعمق ثقافته وأبوته الشعرية للشعراء الشباب.

وفي السنة التي قام فيها بكتابة أوبريت الجنادرية التقيت به صدفة في مطار القاهرة حيث كان ذاهباً لاستكمال أعمال الأوبريت أما أنا كنت في دورة تدريبية في مجال العمل وكان كما هي عادته في تواضعه وقربه من الناس فكان لطف الاستقبال واتكيت اللقاء في قمة مراحله مع أنني لا أعرفه ولايعرفني شخصياً إلا أنني فقط مواطن سعودي صدف أن يلقاه بدون موعد أو تخطيط . 

الكلام كثير عن بدر بن عبدالمحسن الشاعر والإنسان والمواطن الذي صنع لنفسه تاريخاً خالداً في الذود عن الوطن بكلماته التي كضرب السلاح ومن ذلك أغنية (فوق هام السحب) والتي تجيش النفوس الوطنية ويتراقص على كلماتها الجميع رغم مرور أكثر من 40 سنة .

إن حجم فاجعة فقدان بدر بن عبدالمحسن مشاهدة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي كلمات الكتاب فالكل يحس أن هذا الفقيد أخاه وهذه نعمة من الله للبدر فمن أحبه الناس أحبه الله .

رحم الله صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن وصادق العزاء لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولكافة الأسرة الملكية السعودية ولأبنائه وعائلته .


إنا لله وإنا إليه راجعون .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق