الثلاثاء، 14 فبراير 2012

من الموروث الشعبي: "الغمارة و الصندوق" والتصنييف الاجتماعي



              من الموروث الشعبي:  "الغمارة و الصندوق" والتصنييف الاجتماعي
عندما دخلت السيارات في حياة أبناء الجزيرة العربية كان لذلك أبعاد أجتماعية واقتصادية منها ان ملاك السيارات في بداية الامر كانوا من الاغنياء أو كبار القوم وهذا أمر مفهوم و متوقع لإن مثل هذه الطبقات هي من يملك الإمكانيات المادية و المعنوية للحصول على سيارات .
ولحكاية دخول السيارة و التعامل معها في حياة أجدادنا وأباءنا قصص طريفه و مؤثرة تحكي الواقع الاجتماعي و الإنساني في تلك الحقب الزمنية .
ومع أن حكاية دخول السيارة وتاثيرها الاجتماعي يوفر لمن يريد الكتابة فيه أفاقآ رحبة قابلة للتحليل و الإستنتاج والإعتبار إلا انني سوف "أقتص" من هيكل السيارة جزئين هما " الغمارة و الصندوق " أرى فيهما أبعاداً اجتماعية مهمة قد تكون سارية حتى الان.
لقد كانت "الغمارة" هي رمز النفوذ والسطوة و الوجاهة فمن يتمكن من الركوب فيها فقد أصبح معترفاً بقيمته الاجتماعية و تفوقة على أقرانه (ماعدا السائق فليس بالضرورة كذلك ). أما من يكون على الباب الايمن من الغمارة فهذا هو قمة التميز ووجوب الاحترام والتقدير فهو من يوجه في الغالب مسار الرحلة ويحدد أوقات واماكن التوقف أثناء الرحلات . كما أنه في الغالب هو من يتحمل كافة أو معظم المصاريف المادية للإنفاق على ركاب السيارة المرافقين له.كما أنه يتكلف بمصاريف السيارة من محروقات وغيرها . هذا الراكب على الباب الايمن هو من يتولى السؤال و الجواب مع الغير عند التوقف للاستفسار عن موضوع أو مسار تسلكه الرحلة ويقوم بتوجيهها. إنه بإختصار الكل بالكل أو عدة رجال برجل واحد .
أما ركاب الصندوق فهم من الطبقة الاجتماعية الثانية التي وفقها الله برضى أصحاب الغمارة وسمحوا لهم بالسفر معهم . وكان تنظيمهم الاجتماعي يقوم في الغالب على الترتيب المتدرج فكلما كان الراكب أو الركاب في مقدمة صندوق السيارة كلما كان ذلك معبراً عن درجة أعلى من السلم الاجتماعي وكلما بعدوا إلى مؤخرة الصندوق زاد تصنيفهم تقهقراً .
إن نظام الركوب في "الغمارة" و " الصندوق" هو نظام سياسي إجتماعي بإمتياز يعرف فيه كل واحد مكانه و مكانته ودرجة مسؤوليته وواجباته. إلا ان الملاحظ و الدارس لذلك النظام الاجتماعي لايمكن له الا ان يلاحظ انه نظام رأسي ينطلق من الأعلى الى الأسفل تعتمد إجراءاته و مكوناته على الجانب الشخصي ومدى توفر القيم للمارسين له. إنه بشكل عام نظام اجتماعي سلطوي يضيع فيه في الغالب الضعفاء ويتعرضون من خلاله للقهر و الإحتقار و السكوت عن حقوقهم.
لقد إستمرت هذه العلاقة الإجتماعية بين السيارات والناس لفترة من الزمن حتى كثرة السيارات وتزايدت أعداد مالكيها. وعندها إنتقل هذا النظام الاجتماعي الى وسيلة نقل أخرى ألا و هي الطيران حيث حلت الدرجة الاولى في الطيارة محل "الغمارة" في السيارة وحلت الدرجه السياحية محل"الصندوق" مع تطور بسيط في النظام الاجتماعي تمثل في التخفيف من حدود التمايز الاجتماعي وإن بقي المبدأ الاساسي قائم ومعترف به من الجميع في غالب الأحوال.
لقد تميز نظام النقل الجديد بإضافته لبعض الاكسسوارات المقدمة لركاب الدرجة الاولى تعويضا لهم عن تطوير النظام الاجتماعي القديم ومن ذلك توسيع رقعة من يمكنه الدخول في الطبقة الجديدة .
إن حكاية " صندوق و غمارة " السيارة في النظام الاجتماعي القديم والفلسفة التي إنبثق منها يعكس مخزوناً هائلاً من العلاقات الانسانية في مجتمعنا ومايحكمها من روابط مالية واخلاقية أدت الى رسوخ مفاهيم وممارسات أصبح لها تاريخ يحترمه ويؤمن به كثيرون. وله كذلك مناصرون يرون أن الحاضر والمستقبل لاقيمة لهما الا إذا إستندا على الارث التاريخي وسارا ضمن مساراته وأنساقه. فالتاريخ عندهم ليس للعبرة والتعبر وإنما التاريخ هو المستقبل كما ذكرأحد  الكتاب للسعوديين في مقالة له منشورة .
إن مورثنا الشعبي فيه الكثير مما يقال وفيه الكثير مما يفسر واقعنا فهل نلتفت اليه بشكل جدي وندرس مكوناته ليس للفرجة وإنما للفهم ومن ثم رسم طريق المستقبل .
ماذا لو ؟
ماذا لو قامت إدارة مهرجان الجنادرية للتراث بتحديد محاور سنوية تقدم فيها الدراسات التحليلية والعلمية للأبعاد الاجتماعيه والاقتصادية لموروثنا وتراثنا السلوكي وفهم مكوناته ومسبباته و نتائج ممارسته . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق