الفساد قضية ومصطلح له وجوده في كافة المجتماعات لا يرتبط ذلك بدين او لون.فأين وجد الانسان الذي لا تضبط غرائزه ورغباته فانه يجنح الى كسر الأنظمة والقوانين ويعميه حب الذات الى كل الممارسات التي تشبع نهمه الغريزي للتملك والسيطره.وفي عصرنا الحاضر وفي عالم اليوم ذو الصبغة الكونية تم تطوير مفهوم الفساد الذي يجب محاربته بما يرتبط بالممارسات التي تتنافى مع قوانين ضبط مكونات المجتمع في عملها وتنافسها وتعاونها في حياتها المعاشه.لقد ترسخ مفهوم الفساد في الامور التي تحقق نفعا خاصا بشكل غير قانوني من المال العام عن طريق الرشوة او السرقة اوالاستفادة من المعلومات الداخلية.كما ان المجتمعات الحديثة توصلت الى ان حرمان الاخرين من حقوقهم هو نوع من الفساد.المحسوبية والعنصرية هي الاخرى فسادا لم يعد يجد قبولا من كافة دول العالم.ان الفساد هو من اهم الامور التي توصلت منظمات الامم المتحدة الى انها سبب رئيسي لتخلف بعض المجتمعات وعدم تحقيقها معدلات تنمية مناسبة تخرجها من دائرة الفقر والتخلف.ومن كان لديه الرغبة العلمية في الغوص في مكونات وتعريفات الفساد فما عليه الا الدخول الى موقع الامم المتحدة ليجد ما يشفي نهمه المعرفي.
نحن في هذا المقال لا نهدف الى بحث علمي وانما الى إيضاح وابراز إشكالية تنموية لدينا تتمثل في إعطائنا تفسيرا خاطئا لمفهوم الفساد يتماشى مع خصوصيتنا التي اشتهرنا بها لدرجة ان كل امر او قضية يتعارف عليها العالم يتفاجا هذا العالم باننا نقصد شيئا اخر عندما نتكلم عن مصطلح اوقضية.وهنا احب ان أوضح انني أتكلم عن الفهم الجمعي وليس وجود توافق مع العالم من قبل الحكومة وأجهزتها الحديثه.اي عندما ننظر مثلا لهيئة مكافحة الفساد فلا يمكن ان نجد انها تختلف عن بقية منظومات دول العالم.ولكن ليسأل احدنا نفسه ماذا يمكن ان يفهم اكثر مجتمعنا عندما يرد مصطلح الفساد.بكل شفافية وصراحة ان أكثرنا لا يرى من الفساد الا مايرتبط بالسلوك الاخلاقي للفرد والذي قد يتعارض بشكل صريح مع القيم الاسلامية او يتعارض مع التفسير الاجتماعي لهذه القيم.انها جزء طبيعي من خصوصيتنا التي عشقنها ومفهومنا التي لا يوافقنا العالم على ذلك.لقد طغت خصوصيتنا ومحليتنا حتى قيدت محاربة الفساد وأفقدته قيمته .اصبح أكثرنا ينتفض ويثور وينادي بالويل والثبور لوجود حفلة موسيقية ولكنه لايرف له جفن وهو يرى تجارا يحتكرون ويتلاعبون بالأسعار ويئن من ممارساتهم الآلاف المواطنين.ان فهمنا الخاص والمحلي للفساد هو ما يجعل البعض مستعدا للموت في سبيل منع اختلاط مقنن بينما يرى ان عدم وجود سكن لاكثرية المواطنين بسبب ارتفاع اسعار الاراضي واحتكارها أمرا لايعنيه لانه ليس فسادا من وجهة نظره وبالتالي يعارض فرض رسوم على الاراضي البيضاء.
الفهم الخاطيء للتعريف العالمي للفساد هو ما أدى لعدم إلتفاتنا الى الممارسات العنصرية والتهميش لبعض فئات المجتمع.انها الخصوصية التي تدعو الى منع السينما والسكوت على المحسوبية والإقليمية في التوظيف والمناصب.لقد حولنا هذه القيمة الانسانية لمحاربة الفساد الى قائمة ضيقة اغلبها يدخل في السلوك الشخصي الغير مضر للمجتمع او ما يدخل في باب الاختلاف بين العلماء والمذاهب.اصبح الشغل الشاغل للبعض هو تتبع الافراد وغض الطرف عن الفساد المهلك للمجتمعات.
ان أقل متطلبات التنمية ان نعيد ترتيب أولوياتنا ونفسر المفاهيم كما هي وكما يفهمها العالم وبما ينقلنا من نقطة الى اخرى في خط التنمية المستقيم.وبغير ذلك فنحن نهدر طاقتنا ومواردنا في ما لا ينفع.