الاثنين، 20 فبراير 2012

الأكل على مائدة التحديثيون


                       الأكل على مائدة التحديثيون

وصل العالم إلى مرحلة متقدمة من التتطور الحقيقي لقيم الإنسان في العصر الحديث حيث تبلورت ونضجت المباديء والسلوكيات التي حفظت للإنسان حقوقه التي أقرها له الرب الكريم ولكنها تدنس وتغتال من قبل أصحاب الظلم أفرادآ كانوا أو جماعات.إن من يقرأ ما ورد في الكتب المعروفة للأديان لا يخالطه شك في أهمية القيم الأخلاقية الواردة فيها وما تدعو له من حفظ لحقوق الفرد والمجتمع سواء كان ذلك مالآ أو فكرًأومعتقدآ.ولعل الإسلام –وهو مايهمنا في هذا المقال-وما قدمه في مجال حقوق الإنسان يعتبر كنزآ ليس لهذا الزمان فقط ولكن لكل الأزمان. ولقد شهدت معظم المجتمعات فريقين في تعاملهما مع كل أمر حديث.فإما صانعون للتحديث وعاملون على إيصال خيره للأخرين. وإما معارضون رافضون لكل أمر طاريء.ولذا إنتشر مصطلح المحافظون والتحديثيون في أدبيات العلوم المختلفة.ومادام الأمر كذلك لماذا نجد هذه الحملة المسعورة والمستمرة من قبل المحافظون خاصة  في السعودية على الأفكار التحديثية؟. إنه بكل بساطة المصالح المبنية على الجشع.إنها مصالح المال والجاه والسلطة لاأكثر ولاأقل.فلم أجد خلال هذه السنوات من الهجوم المستمر على دليل واضح يبرر رفضهم ومحاربتهم لكل مايصدر عن أصحاب الفكر التحديثي حتى ولكن يتعلق بجزء وليس بكل جوانب الحياة. إنها حرب ضروس تهدف إلى إثارة المجتمع وإقناعهم بإن ما يحدث مرادف للكفر.وهنا يحتار كل ذو عقل لما يحصل. فهذه الجماعات أكلت ومازالت تأكل على مائدة التحديثيين وتتمتع بأصناف وتنوع مكونات المائدة وأصبح حالهم مثل التنابلة اللذين تجدهم على مائدة كل مناسبة دون تحمل أي تكاليف بل قد تصل بهم الوقاحة أن يشتموا سرآ من أكرمهم. وهنا نجد أن التنابلة أكثر رقيآ لإنهم على الأقل يشتمون ويستهزئون بمن أكرمهم سرآ بينما بعض هولاء المحافظون يشتمون علنآ وكأنهم يطبقون المثل الشعبي"شين وقوي عين".وإذا نظرنا إلى حالنا ومكونات مجتمعنا فإن ذلك يستحق التوقف عنده.
إن شواهد تطفل المحافظون(أو التقليديون) على مائدة التحديثين في السعودية لا تعدى ولا تحصى.هل نبدأ من تكوين الدولة السعودية وما أضافته من قيم جديدة يدخل فيها حدود الدولة وحمل هويتها ووجود سفارات وممثليات لها في كافة دول العالم التي يجول ويصول فيها هولاء المحافظون.أم ننظر لإنشاء الوزارات والمؤسسات التي إستوعبت أبناء الوطن ووفرت لهم دخول تعينهم على متطلبات الحياة.أم الإندماج الإجتماعي بين أبناء الوطن لافرق بين شمالي أو جنوبي ولا أفضلية لقبلي أو سني على سائر فئات المجتمع الأخرى.إنها المواطنة -التي هي نتاج لمفاهيم التحديث- ولاغيرها يمكن أن يكون معيار للقياس والمفاضلة.هذه نماذج صارخة من مائدة التحديث التي نجد المحافظون يبتلعون خيراتها دون أن يرف لهم رمش.تمعن أخي القاريء في مصطلح الأممية الذي يدعو له البعض وقارنه بمصطلح وممارسة الوطنية والوطن.هل يمكن لنا أن نبني دولتنا لو كان همنا وجهدنا موجه للدول الأخرى التي يرون أنها صاحبة حق في ثرواتنا بل قد يصلون ومن باب المماحكة والمزايدة الحزبية إلى تفضيل غير السعودي على المواطن الذي عاش ويعيش على تراب هذه البقعة من الكرة الأرضية بخيرها وشرها وبغناها وفقرها.أمر أخر يبين إنتهازيتهم وهو رفضهم لمصطلح ومفهوم الدولة الوطنية ولكنهم وأبنائهم وبناتهم وزوجاتهم يشغلون ويملؤون الوظائف ويقاتلون للحصول على الإمتيازات والفرص ويحاربون غيرهم ويقفون في طريق حصولهم على حقوقهم ويشكلون اللوبيات للهيمنة والإستحواذ على مقدرات الدولة الحديثة التي يحاربونها في العلن ويمتصون دمائها في الخفاء.

أمرأخر من مائدة الحداثيون يتلذذ المحافظون بطعمه اللذيذ هو وسائل الإعلام الحديث من تلفزيون وصحافة ومواقع الإلكترونية وتويتر وفيس بوك والتي كانوا قبل سنوات يحاربونها ويحذرون من خطورة السماح بها بينما الأن لاينافسهم أحد فهم أصحاب جولات وصولات فيها وتمثل لهم قواعد عسكرية تنطلق منها جحافلهم على الأعداء الوهميين.

ومع أن القائمة طويلة كما أن محتوى المقال سبق أن طرحه كثير من الكتاب إلا أن بقاء الحال على حاله وإستمراء هولاء المحافظون لهذه اللعبه يفرض على كل مخلص للوطن أن يعيد الطرح لعله يجد أذنآ صاغية تعدل هذا الميل.أو أن إيصال صوت بعض المواطنين المقهورين الرافضين لهذه الإنتهازية تجد من المخدوعين قبولآ تدفعهم إلى الخروج من دائرة الإنغلاق إلى فضاء الوطن الذي تحترم فيه كل المكونات وتصان فيه كل الحريات وتحترم في حدوده أنظمته وسلطاته.لعلي أختم هذا المقال بمقولة أحد التقليديين عندما سئل عن اليموقراطية والدخول في عملية الإنتخاب التي يحرمون فقال: "الديموقراطية هي كالحذاء(أعزالله القراء) نستخدمها ثم نرميها".