الاثنين، 5 مارس 2012

شهوة المايكرفون عند الرغايون

الرغي وكثرة الحكي وترديده بدون فائدة يمثل خصلة سيئة يمقتها العقلاء ويضيع من أثارها الجهلاء.وأمثالنا الشعبية تمتلك رصيدآ جيدآ من نقد هذه الظاهرة وبيان سوءها.من أشهر الأمثال في هذا المجال : " من كثر هذره قل قدره" و"قال ياكثر حكي....قال من ترديده".ولعل قمة الغضب من كثرة الحكي والرغي هو ما يصوره المثل العربي الشهير: "إذا  كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب".
ولعل تقنيات العصر وتطور وسائل التواصل الإجتماعي قد تنبهت لذلك فخرج علينا التويتر بإجبار الكثيرين على أن لاتتعدى حروف كلماتهم 140 حرفآ.
إن شهوة  كثرةالكلام وترديده قد يصل عند البعض إلى ظاهرة المرض الذي يجب علاجه إما طبيآ لمن يعاني من مرض عضوي أو نفسي .أو أن العلاج يمكن تحقيقه وتطوير وصفته إجتماعيآ بإسكاتهم عن إيذاء الأخرين في الأماكن العامة أو الرسمية مع حفظ حقوقهم المدنية بعدم منعهم من ممارسة هوسهم في الصحاري والقفار ومخاطبة الجبال والأشجار.يمكنهم ذلك وبأعلى درجات حبالهم الصوتية.
إنسان هذا العصر يحتاج إلى هدوء وعقلانية وإضافة معرفية في كل من يتصدر للحديث والكلام.لم يعد الكثيرون قادرين على الرغايين اللذين تعميهم رؤية المايكروفون ويصابون بحالة من الشبق النفسي فينطلقون دون قضية ودون إضافة معلومة يلوكون نفس الكلام ويرددون نفس الأحاديث والقصص والإنتقادات لنفس القضايا.الزمن عندهم تعطل ومستجدات الحياة لديهم أمر عارض يحاولون لجمه وإعادته إلى إطار الكلام والرغي الذي لايستطيعون تجاوزه.
المحاضرة عند الرغايين هي تحديد موعد فتح المايكرفون فلا إعداد ولاتحضير .بل أنها(أي المحاضرة) هي نسخة مكررة تعاد كل مرة.لامانع لدى هؤلاء من إلقاء محاضرة كل يوم أو كل أسبوع .ولايمثل التنقل من مدينة إلى أخرى أي مشكلة .فالأمر لديهم أبسط من أن يعتنى به والبحث العلمي والتحضير لا وجود له في برنامجهم اليومي.كل المطلوب هو فتح المايكرفون ومن ثم فتح الفم وعلى قولة المثل الشعبي " أفتح أفيمك ويرزقك الله".
إن شهوة الكلام والمايكرفون ظاهرة وواضحة للعيان لدرجة أن الكثيرين أصبحوا محاضرين يتسنمون المنصات ويجوبون المدن والأندية . وإذا كان يقال أن موريتانيا بلد المليون شاعر فإن بلد المليون محاضر تسمية مقبولة ومعقوله.ومن مشاهدات حب الكلام الذي إستشرى أنك تجد شخصآ ما في مقابلة تلفزيونية أو إذاعية وعندما يسأل سؤالآمحددآ فإن أول ما ينطق به هو: " قبل أن أجيب على السؤال أحب أن أقول كيت وكيت"  ويستمر حتى يضطر من يقابله إلى إيقافه وإعادته إلى الموضوع. ويتكرر الأمر مع كل سؤال ومع كل إجابة.إن من أكثر مايتردد في المقابلات هي مقولة "لم أعطى الوقت الكافي".رغبات كبيرة للكلام لاتعرف أسبابها.وإستعداد غريب لإلقاء محاضرات دون تحضير.وإعادات مستمرة لنفس المواضيع من نفس الأشخاص بشكل أسبوعي دون ملل ولاكلل.
إن هذه الظاهرة المزعجة والمحبطة لاتجدها عند العالم المحترم الذي لايمكن أن يلقي أكثر من محاضرة أومحاضرتين في السنة وذلك لإنه يتعب ويبحث ويصل إلى نتائج تضيف للمستمع وتزيد من رصيده المعرفي.فالعالم المحترم وذو القيمة المعرفية لايذهب خالي اليدين بل أنه يبحث ويعد ويكتب لإشهر من أجل إلقاء محاضرة لايتجاوز وقتها الساعة.كا أنه يحرص على إيصال معلوماته للأخرين بإفضل وسائل التوصيل التقنية المتاحة مكانآ وزمانآ.
  نسأل الله أن يحد من "الرغايون بالمايكرفون" وأن يمكن علماءنا الحقيقيون من أخذ مكانهم ومكانتهم التي يستحقون فالأمم لاتنهض بالرغي وإنما بالبحث العلمي والعمل بنتائجه. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق