السبت، 10 مارس 2012

بوح تنموي: من أبها إلى عرعر وعنز ولو طارت

التنمية هي جوهر وهدف الجهود الإنسانية التي تتم كل يوم.التنمية ليست أرقام ومشاريع فقط بل هي منظومة متكاملة تحقق في نهاية الأمر حياة كريمة سعيدة.ولعل من أهم مباديء ومرتكزات التنمية أنها عملية مستمرة وديناميكية فلا يمكن أن يقال في أي مجتمع أننا وصلنا إلى الحد الأعلى للتنمية ويجب أن نتوقف.فعندما يعتقد أويمارس مجتمع ما توقف وإيقاف عجلة التنمية فعليه السلام لإنه سوف يخرج من مضمار الحياة ويختبيء في كهوف التخلف والحاجة والفقر.هذه مسلمات وحقائق يعرفها أي دارس أومهتم بالشأن العام.وأرجو أن لايعتقد أي قاريء أن التنمية لايمكن أن تقف بل يجب أن يعلم أن كثير من المجتمعات تواجه هذه الكارثة إما لعجز مالي أوإداري أوإجتماعي .والمجتمعات الحية هي التي تضع يدها على مواقع الخلل ومعطلات التنمية ومن ثم تعالجها بالتغيير والإحلال وإعادة صياغة الأهداف والسياسات والبرامج.إستمرارية التنمية وإستدامتها هي أكسير الحياة وسر البقاء.
هذا البوح التنموي يمثل مقدمة ضرورية لمقال اليوم لإن هنالك من ينظر إلى الماضي التنموي ويردد أرقامه ناسيآ أومتناسيآ أن التنمية ليست فعل ماضي بل هي فعل مضارع وفعل مستقبلي.
خلال الأيام الماضية فرضت مدينة أبها ومدينة عرعر إسميهما على خارطة الإعلام وقدمتا نموذجين لمن يريد أن يشخص ويقييم التنمية ومتطلباتها بقلب وفكر صادق وشفاف ومحب للوطن.إنهما نموذجين لما يمكن أن يحدث عندما ينظر إلى التنمية بنظرة ستاتيكية وليس ديناميكية.أما عرعر وأبهافهما (بالإضافة إلى قيمتهما الوطنية) يحتلان في قلبي مكانآ توجب علي أن أضعهما في رأس وقلب هذا المقال.مدينة عرعر عشت فيها وبدأت من مدارسها عندما إنتقلت لها صغيرآ.أما أبها فقد عملت فيها وتشربت محبتها.هاتان المدينتان تفخران بطيبة وكرم أهلهما.وتتوشحان بكل فخر برداء الولاء للوطن .فأهلهما مثل بقية أجزاء وطننا قدموا ومازالوا يقدمون النماذج المشرفة للحمة الوطنية.أبها صارعت وتعرضت للقصف الجوي أثناء حرب اليمن في الستينات الميلادية وعرعر كانت جبهة متقدمة أثناء حرب الخليج.فياله من فخر سوف يحفظه تاريخ الوطن وياله من فداء وتضحية تستحقان عليه الوفاء.
إن ماحصل في أبها وعرعر مهما كانت مسبباته ومبرراته يجب أن لايحجب عن أعيننا الصورة المتكاملة من الخلل التنموي الذي نتج عن عدم تعاملنا مع مبدأ ديناميكية التنمية وتسارعها وإرتفاع متطلبات المجتمع وتغير معايير الرضا عن الجهود المبذولة.إن تلافي ماحدث ومعالجته لايتم  بالنفي أو التقليل من شأنه أوالتذكير بما تم في السابق من نجاحات ومنجزات.إن نفي الخلل التنموي وصياغة التقارير المنمقة وتجاهل مايراه الناس على أرض الواقع هو مثل من يقول "عنز ولوطارت" متجاهلآ الحقائق ومتعاليآ على الإعتراف بالخطأ. مع أن وقوع الأخطاء وضعف الأداء ليس عيبآ بل إنها تتحول إلى عيب ثم إلى جريمة عندما يهمل علاجها أوأن ترفع أصابع المسألة والتهديد للأشخاص الخطأ أو الضعفاء.
وإذا كان ماحصل في أبها أوعرعر حالة غريبة فلا نتسغرب إذا ماتكررت .فالخلل ليس في المكان الذي شهد الأخطاء بل في آلية العمل التنموي التي تجمدت وإلى ألة العمل التي أصاب بعض تروسها الصدأ فلم تعد تتحرك بالسرعة الكافية وأصبح ضجيجها أكبر من إنتاجها.كلنا نعلم ونعرف أن معدلات التنمية ومخرجاتها تواجه تحديات كبيرة. ولقد كتب الكتاب وعقدت المؤتمرات والندوات ولكن لا أحد يسمع أويتحرك.التنمية في المملكة بحاجة إلى إعادة نظر في إستراتيحيتها وخططها وبرامجها.معظم المناطق والمدن الكبيرة تئن من الثقوب السوداء في تنميتها سواء كان ذلك مالي أو إداري.الفروقات في معدلات التنمية بين المناطق تزداد إتساعآ.تعمل الدراسات والإستراتيجيات التنموية ثم توضع على الأرفف فالتنفيذ للمستجدات التنموية هوفي أخر قائمة الإهتمامات.تصدر الأنظمة التطويرية ويتم الإلتفاف عليها وتفريغها من مضمونها من أصحاب المصالح.نحن نعيش دوامة تنموية تجعل كل مخلص يعيش في حنق ورعب.أين الإستراتجيات التي أعتمدت لمعالجة التباين الأقليمي مثل الإستراتيجية العمرانية الوطنية؟.وأين نظام تحديد أربع سنوات للمراكز الرئيسية في الدولة؟.وأين فصل الإقتصاد عن المالية؟ وأين تطبيق السعودة؟ وأين وأين والقائمة تطول.إن إهمال الكثير من الإصلاحات والقرارات هو ما أنتج إخفاقات التنمية لدينا مع ما يضخ من أموال مهولة كل سنة في الميزانية.
إنني كمتابع ومهتم في التنمية الإقليمية أقول أن معظم الأجهزة المركزية لم تحقق النجاح المطلوب في تنمية المناطق ومساحة المقال وهدفه لاتبرر رصد وسرد هذه الإخفاقات ولكن كل مواطن له عيون ويرى ماعلى أرض الواقع.أما النجاح الذي نرفع له القبعة أو العقال فهو ما قام به خادم الحرمين الشريفين بفتح الجامعات بحيث أصبح لكل منطقة جامعة على الأقل متجاوزآ في ذلك بيوقراطية الأجهزة المركزية ومحسوبياتها .
أخيرآ إن جرح أحداث أبها وعرعر يجب أن تحول إلى فعل إيجابي وإجراء إصلاحات كبيرة في منظومة إدارة التنمية في جوانبها الفكرية والمالية والإدارية.ولعل أفضل مكان يمكن أن يتولى هذا الجهد وفي هذه المرحلة هو الديوان الملكي الذي أعطاه خادم الحرمين الضوء الأخضر بدمج ديوان مجلس الوزراء والديوان الملكي بجهاز واحد حدد له مدة زمنية لهيكلة الجهاز.إن هذا الكيان الجديد هو عين قائد البلاد وولي عهده الأمين والمواطنين ينظرون له بشكل مختلف يعكسه مايرفعونه من برقيات وخطابات لقضاياهم ومشاكلهم.كما أن الديوان هو أكثر أجهزة الدولة إستقبالآ يوميآ للمواطنين.فإذا لم يرى الصورة المتكاملة فمن يراها وإذا لم ينقل مايحدث للقيادة فمن يقوم بذلك.؟

  ماذا لو؟
 ماذا لو إنشئت هيئة لتنمية المناطق وخصص لكل منطقة ميزانية مستقلة؟نأمل ذلك فالمركزية الشديدة أحد اسباب القصور التنموي لدينا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق