الاثنين، 19 مارس 2012

المركزية لم تعد تناسبنا أو تفيدنا


 المركزية لم تعد تناسبنا أو تفيدنا

التنمية في كافة جوانبها هي عملية  ديناميكية متحركة فما يصلح في زمن أو وقت معين ليس يالضرورة أن يستمر مناسباً وصالحاً لزمن اخر. كما ان التنمية تتصف بشخصية ومواصفات المكان والانسان الذي يتعامل معها بمعنى ان ما يصلح لمجتمع أو دولة ليس بالضرورة أن يصلح لأخرين ولوكانوا يعيشون في نفس الوقت. هذه مقدمة ضرورية حتى نزيل اللبس من عقول من يتمترسون  وراء  نجاحاتهمً في وقت ما ويتخوفون من أي تغيير مستقبلي. وبالرغم من تعدد جوانب التنمية إلا أن من أهم متطلباتها  هو الهيكل الإداري الذي يقود وينفذ هذه المتطلبات ويتعامل مع المؤثرات الداخلية والخارجية بكل إحترافية.وعلم الإدارة من أهم العلوم التي شهدت ثورات فكرية أنتجت نظريات وبرامج إدارية تشمل في مجال تغطيتها الوطن ككل وتصل إلى أي شركة أو مؤسسة صغيرة .فالكل يحتاج إلى إطار إداري يقوده وإلى إجراءات وضوابط إدارية توضح له الطريق ويلتزم بها العاملون كبيرهم وصغيرهم.ومن هذه المنطلقات المعروفة فإن المقال سوف يتناول جزء من علم الإدارة له قيمته مكانيآ وفكريآ ويتعامل مع مبدأ المركزية واللامركزية في الإدارة المحلية  في أطار مكاني أسمه المملكة العربية السعودية.

 المملكة كوحدة مكانية واحدة متكاملة دخلت العصر الحديث كدولة منذ وحدها الملك عبد العزيز قبل مائة عام . وكانت الظروف والمعطيات في البداية تتطلب إدارة الدولة بشكل مركزي مبسط يقوم على أشراف ومتابعة الملك نفسه لمسار الامور مع تفويض ممثليه على رقعة المملكة صلاحيات كبيرة تنطلق من فهمهم جميعاً لمنهجية و توجهات المملك.في تلك المرحلة كانت الإدارة المحلية تقوم على الكفاءة الشخصية للأشخاص المختارين وقدرتهم على إدارة الأمور من منطلق فهمهم وقراءتهم لما يريد الملك والبحث عن أفضل السبل لتثبيت كيان الدولة الحديثة وتعميق مفاهيم الدولة الموحده.وكانت الامور الأمنية وتيسير معاش المواطنين هما أساس العمل . ومع ثبات وتمكن الدولة الناشئة أخذت الاساليب الادارية تتطور انطلاقاً من المركزية الى اللامركزية المنضبطة بكثير من الانظمة و الاجراءات والصلاحيات .وشهدت هذه المرحلة صدور الأنظمة وإرسالها لكافة نواحي المملكة للعمل بها.ولعل دارة الملك عبالعزيز تحتوي الكثير من هذه النماذج الإدارية وآلية صياغتها حسب الشخص المخاطب.ومن مواصفات هذه المرحلة عدم وضوح الإطار المكاني للإدارة المحلية وإنما هو ضمن العرف والممارسة وإجتهادات ممثلي الدولة.وكلما مر الوقت تحسن الإطار المكاني ووضحت الحدود الإدارية للإدارة المحلية. ولقد استمرت المملكة تتعامل مع هذه الفلسفة الادارية للإدارة المحلية لسنوات عديدة حيث يتم كل فترة زمنية تأطيروتنظيم الادارة المحلية في ضوء التوجه نحو اللامركزية حتى تبلورت في إطار المناطق الخمس وهي الوسطى والشرقية والجنوبية والغربية والشمالية.إستمر ذلك لسنوات عديدة وأصبح أمرآ معروفآ للجميع وبنيت عليه الخطط التنموية وما يتبعها من برامج وإجراءات.ثم زاد عدد المناطق بقرارت مستقلة وصولآ لعام 1412  عندما صدرنظام المناطق  الذي حدد المسميات و الصلاحيات الأساسية . وكذلك تم تفعيل وتنفيذ مايعرف بمجالس المناطق كرافد مهم لمبدأ اللامركزية . هذه الخطوة  تعتبر خطوة مهمة من الناحية العلمية والناحية التنفيذية . كما أنها أدخلت المواطنين في آلية إتخاذ القرار بشكل رسمي بينما كان ذلك يتم في السابق بشكل غير منظم يقوم على الاستشارة والمقابلة واستنباط مرئيات المواطنين .ولعل نظام المناطق يعتبر هو البداية الحقيقية لتطبيق مبدأ اللامركزية في المملكة العربية السعودية وذلك لما شمله من صلاحيات ومسؤوليات للمناطق ومجالسها على شكل لوائح وأنظمة ومرجعيات محلية ومركزية.

ولقد كان نظام المناطق ومجالسها يتضمن كثير من المواد التي تعطيها مجالاً واسعاً لادارة التنمية في المناطق والاشراف والمتابعة لمسيرة التنمية سواء كان ذلك مشاريع ضرورية للتنمية المحلية أو تحقيق تطلعات ورغبات المواطنين . وفي بداية تنفيذ هذا النظام كانت الأمال والطموحات كبيرة حيث شهدت تفاعلاً بين الادارات الحكومية واعضاء المجالس خاصة من يتم اختيارهم من المواطنين. إلا ان هذا الزخم بدأ يفقد بريقه نتيجة عوامل عدة منها هو مرتبط بالممارسة ومنها ماهو مرتبط بالتنفيذ . ومن اهم هذه العوامل بصفه عامة مايلي:

1-ان اختيار اعضاء مجالس المناطق من المواطنين اخذ منهجية تقليدية تقوم على اختيار وجهاء المناطق او الاسماء ذات البريق الإجتماعي دون التركيز على الكفاءة و التخصص .

2-تكرارإختيار كثير من الاعضاء او من يدور في حلقاتهم واصبحت القضية تشهد نوعاً من التكرار الذي لم يجد القبول من عامة الناس.

3-أصبحت محاضر مجالس المناطق ومتطلباتها تأخذ نفس مسيرة الميزانية التقليدية وهو محاولة الحصول على اكبر قدر من المشاريع اخذين في الاعتبار انها سوف تخضع (اي المشاريع) الى المفاصلة  مع الجهات المركزية.

4-نتيجة لواقع إجتماعي سائد أصبح كثير من أعضاء مجالس المناطق لايرغبون في معارضة أمراء المناطق. ولذا عندما يبدي امير المنطقة توجهاً أو رغبة ينظر لها الاخرون على انها أمراً يجب الالتزام به مع أنه لم يطلب ذلك وإنما هي وجهة نظر خاصة .

5-عدم توازن مساحات المناطق وعدد محافظاتها أوجد شكلاً مكانياً يصعب التعامل معه من خلال مفهوم الادارة المحلية الحديثة التي تأخذ حجم الحيز المكاني في اعتبارها.

6-من أهم عقبات اللامركزية الحديثة في المملكة هو ازدواجية ارتباط رؤساء و مسؤولي المناطق مما أوجد امامهم صعوبات وإحراجات كبيرة. فهم من الناحية النظامية مرتبطين بجهتين أولهما أمير المنطقة حيث يخضعون لإشرافه ومتابعته وتوجيهاته.و في نفس الوقت ومن الناحية النظامية لهم مرجعهم الوظيفي في الحهاز المركزي الذي يحكم الطوق عليهم ولا يسمح لهم بمخالفة تعليماته وتوجيهاته بل وممارساته حتى لو كان عليها ألف سؤال.ولقد عانى كثير من المسؤولين في المناطق من هذا الواقع بل أنه  أدى أحيانآ كثيرة إلى فشلهم وعدم قدرتهم على الوصول الى الأهداف المنشودة من وجودهم.

7-على الرغم من الجهود التي تبذل إلا أن أمر الميزانيات والاعتمادات هي من صلاحيات جهات اخرى تتصف بالمركزية . وبما أن المملكه هي دولة تلعب الميزانية العامة دوراً أساسياً في تنميتها فإن قرار التنمية وآليه توزيعها هي المحرك الاساسي للتنمية. وبالتالي فإن قرار التنمية في أي منطقة لاينطلق من أمكاناتها ومكونات اقتصادها المحلي وانما من منظورعام للاقتصاد الوطني الكلي وسياسات إدارة الميزانية العامة وأبوابها(وأنتم تعرفون مايعنيه ذلك ولايحتاج إلى شرح أو إطاله). ولعل هذا أحد الاسباب التي يمكن استنباطها من تحليل وتقييم أرقام وبيانات التنمية الاقليمية ومعدلات التباين الاقليمي في المناطق التي أصبحت تسير بمعدلات فروق شبة ثابتة . فترتيب المناطق في كل شئ بقي يتكرر خلال السنوات دون حصول اي تغيير.

8-من اهم اسباب عدم نجاح اللامركزية في المملكة هو عدم رغبة اوضعف إقبال الكفاءات للعيش والانتقال الى المناطق الاقل نمواً لإسباب عدة منها ماهو مرتبط بالفرص الوظيفية المجزية والهيكل الوظيفي في المناطق ومنها ماهو مرتبط بمستوى و نوعية الحياة.

ومما سبق وبنظرة تحليلية صادقة وشفافة فإنني أجد ان النقاط التالية تستحق التمعن والدراسة من اجل الخروج من مأزق تنموي بدأت تطل علينا بشائره:

أولآ : ان مبدأ اللامركزية في الادارة هو خيار مناسب يجب ان ندعمه وان لانتراجع عن ماتم حتى الأن من خطوات مهما ما كان فيها من نواقص أو إخفاقات .

ثانيآ : ضرورة دراسة الحجم الامثل لمساحة المناطق وإعادة النظر بها بناء على عوامل عدة من بينها قدرة الاقتصاد المحلي لكل منطقة على المنافسة.

ثالثآ : لابد من دعم الهيكل الوظيفي للمناطق سواء كان ذلك بالمراتب الوظيفية او العائد المادي المناسب و تقليل هيمنة المركز على ذلك(أو بالأصح سرقته منهم )

رابعآ : لقد أصبح الوقت مناسبآ للبدء في ميزانيات المناطق حتى ولو كان ذلك بشكل تدريجي(لعلنا نبدأ بمبلغ مقطوع للتجربة)

خامسآ : النظر في زيادة أعداد أعضاء مجالس المناطق والمحافظات ممن يمثلون المواطنين وإدخال مبدأ الإنتخاب في الممارسة لإختيار الاعضاء.

سادسآ : ضرورة توفير أجهزة فنيه متخصصة (ولو كان بالتعاقد عن طريق مبدأ المساندة الفنيه ) لمساعدة المناطق على إعداد دراساتها ومرئياتها بشكل علمي مدروس.

ونظرآ لأهمية موضوع اللامركزية وضرورته لدعم التنمية فقد يكون المقال أخذ صيغة مطولة مقارنة بالمقالات السابقة في المدونة. لذا فإنني أعتذر لكم وأختم معكم (بتصرف بالمعنى) بمقولة تروى عن تشرشل فقد طلب منه أن يكتب خطابآ عن موضوع ما فقال لقد كتبت مقالآ طويلآ فلا وقت لدي لكتابة واحد قصير.وفي فهمكم كفايه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق