الاثنين، 9 يوليو 2012

"هل تصدق الحمار و وتكذبني " و حكاية جحا العصري


"هل تصدق الحمار و وتكذبني "  و حكاية جحا العصري

يمثل جحا رمزا في الموروث القصصي تتداول حكاياته بين الجميع صغارا و كبارا. ولقد كان جحا كشخصية رمزية تستخدم قصصه و حكاياته و فكاهاته حسب رغبة و هوى الراوي. فمره يصنف ضمن الذكاء و الفطنه و مره يصنف ضمن الغباء و البلاهة.
وعنوان هذا المقال يختصر أسلوب جحا وقدرته على مغالطة الواقع و صم اذانه أمام الحقائق تحقيقا لرغباته و هواه.
و الحكاية تقول أن شخصا لجأ لجحا يريد ان يستعير منه حماره لنقل بعض الاغراض . وعندما طرق باب جحا و سأله ما اتى من أجله أجابه جحا بإنه يأسف لرد الطلب حيث أن الحمار غير موجود عنده الآن. فصدق الرجل لكلام جحا و أراد الانصراف و في هذه اللحظة أطلق الحمار نهيقه من داخل البيت فتفاجأ الرجل و ألتفت إلى جحا و قال له ماهذا يا جحا هل تكذب علي و تدعي أن الحمار غير موجود عندك في الدار؟ . وهنا قابل جحا الهجوم بهجوم مضاد و قال للرجل يا للأسف كيف تصدق حمارا و تكذبني.
حكاية شعبية لطيفة و مختصرة كانت من موروثنا و لكننا بكل آسف نستخدمها و نكرر استعمالها حيث نتغاضى عن الحقائق و الوثائق و نضطر إلى قبول أقوال أصحاب المصالح مع مجافاتها للحق و العقل.
إن جحا التاريخ جرى استنساخه لإعداد كبيره في عصرنا الحاضر. فلم يعد إعمال العقل و الاحتكام للحقائق أمرا مضمونا للوصول إلى النتائج و إنما نحن مضطرين إلى الدخول في غياهب الظلام و لوي أعناق الحقائق تحقيقا لغايات النفوس المريضة التي تحكمها المطامع الدنيوية و الايدلوجيات الفكرية.
إن مراقبة المشهد العام في جوانبه السياسة و الاقتصادية و الاجتماعية تصيب بالإحباط و الاكتئاب لكل ذو عقل سليم و نية صالحة انخدع بالظواهر و لم يعطي نفسه فرصة الغوص في الاعماق و اكتشاف مجاهل الكذب و التلفيق و التآمر. ياله من واقع سوداوي بدد بياض الطيبة و الطهارة.
إن جحا التاريخ يتكرر اليوم في الالاف من الاشخاص اللذين نشاهدهم في وسائل الإعلام يتكلمون و يحللون أخذين من حكاية جحا وحماره شعارا و منهجا يؤمنون بمفعولة و قدرته على إسكات أصحاب النوايا الطيبة والخلق الحسن اللذين يمنعهم من رفع الصوت و اسكات هؤلاء و إيقافهم عند حدهم. لقد خضع البسطاء لسطوة و قوة اصحاب الصوت العالي اللذين هيمنوا على وسائل الاعلام و وسائل التواصل الاجتماعي و لم يعد لديهم القدرة في قول الحق و ابراز الحقائق.
إنه مشهد و واقع نراه في تفسير و تحليل الاحداث السياسة القريبة والبعيدة. إنه غثاء نراه و نسمعه في المجالس و التويتر و الفيس بوك حينما تقلب الحقائق و تفسر الوقائع من منطلق أيدلوجي بحت يخدم المؤمنين به. وقد يقول قائل أن هذا حق لهم و هم أحرار في قناعاتهم و لكن المأساة عندما يطلب منك أنت الانسان البسيط أن ترضخ لهذا الهوس الايدلوجي بخيره وشره و يغلق فمك و صوتك بسلاح البطش الاجتماعي الذي يمتلك أدواته الالاف من نسخة جحا المستنسخة التي تريد أن نكذب نهيق الحمار الذي نسمعه بأذاننا و نصدق مقولتهم القائمة على الهوى وإخفاء الحقائق.
إن جحا التاريخ و حكايته التي أوردناها في بداية المقال تتكرر في عصرنا الحاضر و هنا يحق لنا أن نقول أن التاريخ يعيد نفسه و لكن بأبشع صورة.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق