"هل
تصدق الحمار و وتكذبني " و حكاية جحا
العصري
يمثل جحا رمزا في الموروث القصصي تتداول حكاياته بين الجميع صغارا و
كبارا. ولقد كان جحا كشخصية رمزية تستخدم قصصه و حكاياته و فكاهاته حسب رغبة و هوى
الراوي. فمره يصنف ضمن الذكاء و الفطنه و مره يصنف ضمن الغباء و البلاهة.
وعنوان هذا المقال يختصر أسلوب جحا وقدرته على مغالطة الواقع و صم
اذانه أمام الحقائق تحقيقا لرغباته و هواه.
و الحكاية تقول أن شخصا لجأ لجحا يريد ان يستعير منه حماره لنقل بعض
الاغراض . وعندما طرق باب جحا و سأله ما اتى من أجله أجابه جحا بإنه يأسف لرد
الطلب حيث أن الحمار غير موجود عنده الآن. فصدق الرجل لكلام جحا و أراد الانصراف و
في هذه اللحظة أطلق الحمار نهيقه من داخل البيت فتفاجأ الرجل و ألتفت إلى جحا و
قال له ماهذا يا جحا هل تكذب علي و تدعي أن الحمار غير موجود عندك في الدار؟ .
وهنا قابل جحا الهجوم بهجوم مضاد و قال للرجل يا للأسف كيف تصدق حمارا و تكذبني.
حكاية شعبية لطيفة و مختصرة كانت من موروثنا و لكننا بكل آسف نستخدمها
و نكرر استعمالها حيث نتغاضى عن الحقائق و الوثائق و نضطر إلى قبول أقوال أصحاب
المصالح مع مجافاتها للحق و العقل.
إن جحا التاريخ جرى استنساخه لإعداد كبيره في عصرنا الحاضر. فلم يعد إعمال
العقل و الاحتكام للحقائق أمرا مضمونا للوصول إلى النتائج و إنما نحن مضطرين إلى
الدخول في غياهب الظلام و لوي أعناق الحقائق تحقيقا لغايات النفوس المريضة التي
تحكمها المطامع الدنيوية و الايدلوجيات الفكرية.
إن مراقبة المشهد العام في جوانبه السياسة و الاقتصادية و الاجتماعية
تصيب بالإحباط و الاكتئاب لكل ذو عقل سليم و نية صالحة انخدع بالظواهر و لم يعطي
نفسه فرصة الغوص في الاعماق و اكتشاف مجاهل الكذب و التلفيق و التآمر. ياله من
واقع سوداوي بدد بياض الطيبة و الطهارة.
إن جحا التاريخ يتكرر اليوم في الالاف من الاشخاص اللذين نشاهدهم في
وسائل الإعلام يتكلمون و يحللون أخذين من حكاية جحا وحماره شعارا و منهجا يؤمنون
بمفعولة و قدرته على إسكات أصحاب النوايا الطيبة والخلق الحسن اللذين يمنعهم من
رفع الصوت و اسكات هؤلاء و إيقافهم عند حدهم. لقد خضع البسطاء لسطوة و قوة اصحاب
الصوت العالي اللذين هيمنوا على وسائل الاعلام و وسائل التواصل الاجتماعي و لم يعد
لديهم القدرة في قول الحق و ابراز الحقائق.
إنه مشهد و واقع نراه في تفسير و تحليل الاحداث السياسة القريبة
والبعيدة. إنه غثاء نراه و نسمعه في المجالس و التويتر و الفيس بوك حينما تقلب الحقائق
و تفسر الوقائع من منطلق أيدلوجي بحت يخدم المؤمنين به. وقد يقول قائل أن هذا حق
لهم و هم أحرار في قناعاتهم و لكن المأساة عندما يطلب منك أنت الانسان البسيط أن
ترضخ لهذا الهوس الايدلوجي بخيره وشره و يغلق فمك و صوتك بسلاح البطش الاجتماعي
الذي يمتلك أدواته الالاف من نسخة جحا المستنسخة التي تريد أن نكذب نهيق الحمار
الذي نسمعه بأذاننا و نصدق مقولتهم القائمة على الهوى وإخفاء الحقائق.
إن جحا التاريخ و حكايته التي أوردناها في بداية المقال تتكرر في
عصرنا الحاضر و هنا يحق لنا أن نقول أن التاريخ يعيد نفسه و لكن بأبشع صورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق