هُدمت الانفاق و خرست الألسن والاقلام
تمر المنطقة العربية بحالة أقل ما توصف به بأنها حالة كوميديا سوداء
مظهرها الضحك و باطنها البكاء. لقد سقطت كل المفاهيم و اختلطت الاوراق و اصبح
الأبيض أسوداً و الأسود أبيضا. إننا نمر بمرحلة لم يعد الإنسان فيها يعرف الحق من
الباطل و الصادق من الكاذب و المؤمن من المنافق . لقد سقطت كل النظريات السياسية و
فشل كل المحللين السياسيين في فهم ما يدور و من هم أبطال المسرحية المعروضة و من
هو مخرجها. و إذا كانت وجوه أبطال المسرحية معروفة من ناحية الشكل فإن المخرج هو
رجل غامض و بمعنى آخر هو رجل خفي نسمع عنه و لا نراه. ولعل السنوات القادمة
تكشف و تفسر ما يحصل و الذي يشبه في
مظاهره العامة ما حصل في اتفاقية سايكس بيكو التي خدعتنا و شرذمتنا ولم نعرف
تفاصيلها أو خيوطها إلا بعد مرور عشرات السنين إننا أما استبدال أسم سايكس و أسم
بيكو بإسمين أخريين يتصفان بنفس صفاتهما من الكذب و الخداع و الإجرام. إن أحداث و
تغيرات المنطقة تثير الريبة والحزن و الخوف. فالثوابت سقطت و المبادئ بُلعت و
الشعوب المغلوب على أمرها أُسُكتت و أصبحت أمام دكتاتوريات حديثة مغلفة بسلوفان
شفاف أسمه الديمقراطية.
و مع أن الحق و الحقيقة سوف تظهر يوماُ ما حول ما دار و ما يُدار إلا
أن المحزن أننا نشاهد استباحة وقحة للمبادئ و الاخلاق و استغلال شنيع للدين كوسيلة
للضحك على البسطاء.
و لعل خير مثال يعكس ما سبق و يُوضح مكوناته هو ما حصل من هدم للأنفاق
الفلسطينية من قبل السلطات المصرية الجديدة.
إنه مثال صارخ للتلون و الانتهازية . فقد كان في السابق أي مساس
بالأخوة الفلسطينيين جريمة لا تغتفر و فرصة للتأليب و إثارة الجموع . بل أن ذلك
كان أحد أهم وسائل الضغط على القيادة السياسية السابقة و وصفها بالخيانة والعمالة.
لقد كان موضوع الفلسطينيين وسيلة إعلامية و سياسية تمارسها التنظيمات السياسية
المعارضة في مصر و خاصة الأخوان و يجد ذلك تأييداً و تطبيلً من الأبواق المنتمية
لهم و المنتشرة في الدول العربية الآخرى و كانوا يرفعون شعار فلسطين و الفلسطينيين
خط احمر لا مساومة حوله.
ولكن عندما قامت حكومة الاخوان بهدم الانفاق متجاهلة معاناة الفلسطينيين
و متجاهلة شهر رمضان الذي كان يجب أن يكون شهر رحمة وعطف و جدنا أن فروعهم في
الدول الآخرى لم تقتصر على السكوت عن إبداء الحق بل أنها تحاول أن تبرر هذه
الجريمة و تفذ لك المبررات . ولولا بعض الحياء لقالوا أنها خطوة مباركة تحفها آيات
الفضل و الأجر و الحسنات فما يصدر من الأولياء في رأيهم لابد أن يكون مباركاً.
تخيل أخي القارئ لو أن هدم أنفاق الفلسطينيين و محاصرتهم تمت على أيدي
أي تنظيم سياسي غير الأخوان المسلمين و كيف ستكون ردة فعلهم و بإي أوصاف أو كلمات
سوف يوصف من قام بذلك؟
و مع أن الاسترسال في تحليل ما حصل ممكناُ و مجاله رحب لكل ذي عقل إلا
أننا نختصر الحقيقة و نعود إلى بداية المقال و نقول إنها سايكس بيكو جديدة و
بلاعبين و أطراف جدد نسأل الله جل جلاله في هذا الشهر الكريم و في هذه العشر
الأواخر أن يحمينا و يحمي وطننا و أن يلهم كل فرد منا بإن يشغل عقله و يفتح عينه
لما قد يحاك ضدنا و إن كان ذلك عن طريق بعض إخواننا و أبنائنا اللذين اختاروا
المرشد على الوطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق