يمثل الوزراء رأس الهرم في منظومة العمل
الحكومي وبالتالي في قيادة العمل التنموي الذي تسير عليه وتستهدفه الحكومة في
تطوير المجتمع وإستثمار إمكاناته وتتحقيق رغبة القيادة في رفع مستوى معيشة
المواطنين ورفع كفاءة الخدمات المقدمه. ولذا تسعى القيادة دائمآ على البحث عن
كوادر مؤهلة ذات مواصفات معينه وتكليفهم بمهام وزارية .وحيث كانت طبيعة المراحل
السابقة وواقع التكوين الإجتماعي فقد كان منصب الوزير ذو صنة ورنه ينتظرها
الكثيرون ويأمل بها العديدون سواء كانوا مؤهلين أم لا. كما أن غالبية المجتمع ترى
في شخص الوزير شيئآ إستثنائيآ وتقدم له باقة من التبجيل والتعظيم إما إعجابآ في
شخصيته أو إنتظارآ لمطمع أو فرصة. ولقد مرينا بمرحلة وصل الامر إلى أن بعض الأسر أو المناطق تطلق حملات إعلانية في
معظم الصحف تبرز قربها من معالي الوزير وتحدد بعض الدوائر الإجتماعية التي ينطلق
منها هذا الوزير أو ذاك . ومع أن غالبية الوزراء لايرضون بذلك ولكن الواقع
الإجتماعي يفرض عليهم قبوله ولوعلى مضض.
إن الهالة التي كان يحصل عليها الوزراء تنبع
من فهم المجتمع وإستيعابه لمدى ما كان يقدر أن يعمله الوزير من تنفيع أو محاباة أو
إنحياز لمكان أو قوم على حساب كامل رقعة الوطن أو تركيبته السكانيه .فقد ترسخ في
أذهان الغالبية أن معالي الوزير يستطيع أن يوظف وأن يفتح فروع الوزارة وأن يعمد
مشاريع في أماكن محددة بمجرد "جرة قلم" كما تقول العامة في أحاديثها حيث
يعتمد ذلك على مواصفات الوزير الشخصية ومدى تقبله لمثل هذا النهج الغير عادل. كان
معالي الوزير بصفة عامة هو صاحب الكلمة الأولى والأخيره فما يحكمه هو ضميره وذلك
لأن خبايا ودهاليز تنفيذ الخطط والإستراتيجيات التي تعتمدها الحكومه لا يجيدها إلا
من هو على إتصال مباشر بالأجهزة التنفيذيه. لقد أعطى هذا الواقع لمنصب الوزير هالة
كبيرة فهو يضر وينفع وبالتالي تبارى الناس في التقرب من الوزراء وتقديم فروض
الولاء والطاعة لهم وتزيين ما يقومون به حتى أصبح كثير من الوزراء لايرى الصورة
الكاملة ويتغاضى عن الأجزاء البعيدة عن عينه وقلبه. لقد سادت في فترات سابقة نغمات
مثل : وجه معاليه ..أمر معاليه... معاليه مشغول ...الموضوع للعرض على معاليه وهكذا
قائمة طويلة من المصطلحات التي أعيت المواطن ولم تحقق رغبة القياده. كان كثير من
الوزراء يحيط بهم جوقة من مسئولي وزارته اللذين لايقولون إلا مايريد وهمهم الأول
عدم إغضابه أو تكدير مزاجه فضاعت الطاسه. الحكومة تعتمد المليارات لخدمة الوطن
والمواطنين ولكن أثرها على أرض الواقع أقل كثيرآ مما كان يجب أن يتم. لقد ترك
الوزراء كل وضميره ولم يكن يحاسبوا إلا على الأخطاء الفادحه التي لم يكن من الممكن
تغطيتها أو تجاوزها.
لقد كانت تلك المرحلة مرحلة ذهبية لمنصب
الوزير وكان بعض الطامحين (عندما يكون هنالك تغيير وزاري أو إشاعة حوله) يتابعون
تلفوناتهم أكثر من صلاتهم. ولعل من تمكن من مشاهدة المسرحية الكويتية القديمة حول
تنصيب الوزراء ومرابطة أحدهم بجوار التلفون إنتظارآ للتكليف يستطيع أن يتخيل المشهد
على أرض الواقع ويمتع نفسه بضحكات تجلي بعض الهموم .
وحيث أن دوام الحال من المحال فقد أرسى خادم
الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز نهجآ جديدآ قلب الطاولة وأعاد الأمور إلى
مايجب أن تكون عليه من حيث أن التكليف بالوزارة هو مسئولية كبيرة وعبء ثقيل لايجب
أن يختار له إلا ذوي العقول النيرة والكفاءة العالية . لقد أطلق سلمان الحزم
والعزم رؤيته الجديدة في تحمل المسئولية بأن منصب الوزير لم يعد بيضة ذهبية وإنما
جهد وعرق وتعب في سبيل خدمة الوطن وأن آلية ضمان تحقيق ذلك يكون بألإشراف والمتابعة
المباشرة فكان إنشاء مجلس الأمن والسياسة ومجلس التنمية والإقتصاد. كان المجتمع
(ومن المحتمل أن الوزراء كذلك)في بداية الأمر ينظر إلى الأمر بأنه شكل إداري لن يضيف
الكثير . ومع مرور الأيام بدأت شمس الحقيقة تسطع وتبدد ظلام الجهل والتجاهل فبدأ
إجتماعات هذين المجلسين يصبحان وجبة أسبوعية يتوقع منهما الخير. وأصبح أصحاب
المعالي الوزراء يعدون أنفسهم لهذه الإجتماعات ويحرصون على المذاكرة قبل الإختبار
فلم يعد يجدي الكلام المصفف وإنما التقارير الصحيحة والخطط المدروسة لمعالجة
القصور . وهنا بدأت تتهاوى هيلمة المنصب الصورية وأصبح على كل وزير أن يشمر عن
ساعديه ويعصر مخه ومعه مستشاريه ومسئوليه لتقديم عمل وجهد يختلف عن ما تعود عليه
كل من حمل تاج "معاليه". لقد وصل أصحاب المعالي إلى أرض الواقع بعد أن
كانوا في سماء الأحلام والأوهام وأصبح يتراءى أمام أعينهم المثل المعروف : جاك
الموت ياتارك الصلاة.
وحيث أنني مهتم بالشأن التنموي فإن متابعتي
لوزراء هذا المجال كان أكثر وضوحآ لي حيث شاهدناهم في ورش عمل رؤية 2030 بصورة
مختلفة . كانوا يتحلقون في ورش العمل مع غيرهم من المواطنين دون هالات الفخفخة
البالية ورأينا أجسامهم دون أن تغطيها بشوت المناصب الفاخره ودون أن يسبق بعضهم
"معالي " السكرتير الخاص الذي ينادي "درب درب". لقد رأيناهم
يقدمون أنفسهم في وسائل الإعلام بصورة جديدة محببه تقدم المعلومة وتجيب على
الإستفسار ويخاطبون المجتمع بلغة راقية مضمونها نحن في خدمتكم .
إن نعيم منصب الوزير قد ولى وأصبح محله شعور
بالواجب الوطني والمسئولية أمام الله والقيادة والمواطن فمن كانت هذه هي قناعته
فاليبشر بالنجاح.
في مساء هذا اليوم سوف يستضيف الإعلامي
الناجح داوود الشريان في برنامجه الحواري الثامنة أصحاب المعالي وزراء المالية
والخدمة المدنية ونائب وزير الإقتصاد والتخطيط (وبدون بشوت) ليؤكد ما طرحه هذا
المقال من النمودج الجديد لأصحاب المعالي
فنأمل أن يقدموا مانتوقعه منهم من شفافية
ووضوح وأن يقدموا جرعة أمل في الواقع الجديد لمصطلح معالي الوزير.واذا كانت هذه
الوجبه الأعلامية يكتنفها عور التسجيل المسبق فأننا ننظر إلى ذلك على أنه مقبلات
يتبعها في القريب إن شاء الله وجبة دسمه تتمثل في مسألة ومناقشة الوزراء على
الهواء مباشرة وبمشاركة من يمثل صوت المواطن .
وفق الله القياده وحفظ الوطن ونقول للأخوة
المواطنين : تفائلوا بالخير تجدوه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق