الاثنين، 16 يناير 2017

هل التلفزيون حرام ؟

يعتبر إختراع التلفزيون واحدآ من أهم الإختراعات التي شهدها القرن الماضي وأحدث ذلك الإختراع تغييرآ في المجتمع الإنساني مازالت أثاره قائمة بالإضافة إلى أنه فتح الطريق أمام مجموعة من المخترعات غيرت قيم ومفاهيم وأساليب الحياة بشكل يتعدى مدارك الكثيرين الذين تجمد تفكيرهم وأصبح عاجزآ عن مطاردة التحولات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية التي أصبحت واقعآ معاشآ لايمكن الإستغناء عنه من شرق الأرض إلى غربها..إن وجود فريقين متضادين لأي حدث جديد هو أمر معتاد وطبيعي سواء كان ذلك في قبول المخترعات المادية أو الأفكار والمباديء الفكرية فمن يقرأ في صراع الفكر الإنساني يجد هناك دائمآ الحداثيون والتقليديون الذين يستعينون بكل ما يتوفر لديهم من حجج وبراهين ومجاميع مؤيده في سبيل دحر وتسخيف وتحجيم ما يطرحه الفريق الأخر . ومع ذلك فإن مسيرة الحياة لاتتوقف والناس يصلون في الغالب إلى ماينفعهم ويحقق رغباتهم. ولعل في كتب التاريخ والفكر المئات من شواهد هذا الصراعات التي يمكن تسميتها بصراع الديكة فلا المعارك تنتهي ولا أحد الديكين يموت ويدفن .وعودة لعنوان هذه المقالة فإنني أسترجع من الذاكرة ما حصل من صراع بين التقليديين والحداثيين عند دخول التلفزيون لبلادنا في ستينات القرن الماضي حيث قبله الحداثيين والتنوريين ونظروا إليه على أنه إختراع فيه من الفوائد الكثير وأن إنتشاره في العالم بصفة عامة ومجتمعنا بصفة خاصة مسألة وقت لاأقل ولاأكثر بنما وقف التقليديون في وجهه مستعينين بإستراتيجيتن أولهما بيان ضرره وما سيجلبه من فساد وشرور على أبناء المجتمع الطيبين المتماسكين الملتزمين بمنظومة من القيم والمباديء الأخلاقية والدينية . وكانت هذه الإستراتيجية موجهه لمن يتوفر لديهم وعي نسبي ومستوى تعليمي ديني لايمكن إقناعهم إلا برفع الراية الحمراء والتخويف من أثار ماسوف يبثه التلفزيون .أي أن التحذير قام على مبدأ سد الذرائع وليس على تحريم التقنيه لأنهم لن يقبلوا مثل هذا الطرح. أما الإستراتيجية الثانية للتقليديين فهي الإستعانة بالخرافة لتخويف الناس حيث حصلت همهمات لايعرف مصدرها ولكنها كانت تتحدث عن الجن والسحر وعلاقتها بهذا البعبع الجديد الذي أسمه التلفزيون. لقد كان صراعآ واضحآ في إقناع الناس لدرجة أن بداية إنطلاق التلفزيون في بيوتنا شهدت شد وجذب تتباين بين مدينة وأخرى بل بين حي وأخر. وهنا أستذكر أن جزء كبير من حينا أخذ وقت طويل لايوجد إلا بيت واحد قام صاحبه بشراء الجهاز العجيب وكان أطفال الحي ينتظرون عند بابه مغرب كل يوم ليعطيهم فرصة الدخول ومشاهدة التلفزيون . وشهادة لله فقد كان كريمآ مع أطفال الحي مع مافي ذلك من إزعاج له ولعائلته ولكن هذا هو نصيب كل تنويري مهما صغر أو كبر دوره في مجتمعه. دارت الأيام فأصبحنا نشهد ليس جهاز واحد في البيت بل عدة أجهزة وشاشات متنوعة المقاسات وأنظمة صوت وصوره متطوره تغطي جدران المجالس . ولعل ما أزعج كثير من الناس في ذلك الوقت وأثار قلقهم هو تردد نغمة أن التلفزيون حرام وهوما أوقعهم في حرج بين مايقال وما يحدث على أرض الواقع فنحن مجتمع بكل فئاته يقف أمام مصطلح حرام عندما ترفع في وجهه حتى يصحصح الحق وتنجلي ضبابية بعض الأحكام التي قد تصدر من ناس ليس لديهم العلم الشرعي الكافي وليس لديهم فهم وإستيعاب فقه الواقع وكذلك الخلط بين االمنتج وأثره. فلو فحصنا تحريم جهز التلفزيون لأصابتنا الحيره فهو مجموعة من المواد المصنعه يقوم على التعامل معها أفراد متخصصون من مخرجين وفنيين وممثلين ومقدمين يمثلون في مجموعهم حالة بعيدة عن الحرام بعد المشرق عن المغرب .فهم بمجموعهم يمكن أن ينتجوا أعمالآ خيره فيها نفع للناس لا يحجبها وجود منتجات مسيئه فاللخير أهله وللشر أهله وهذا مبدأ ينطبق على كافة الإختراعات والمنتجات حتى الطبية منها والتي هي في الأساس لخدمة البشر.إن وضوح الرؤية بين ماهو حرام وماهو حلال في ظاهرة التلفزيون أمر يعرفه الكبير والصغير والغربي والشرقي والعربي والأعجمي كل حسب تراثه وقيمه وإحتياجاته.فخلط الأمور فشل سابقآ في موضوع التلفزيون وسيفشل في منع أي تقنية حديثة يتعامل معها المجتمع الإنساني. إن خلافنا وحديثناعن التلفزيون في السابق يتجدد خلال السنوات الماضيه القريبة عن السينما وإمكانية وجودها في السوق السعودي . وحسب علمي أن القواعد الأساسية في صناعة السينما هي نفسها في صناعة ما يعرف بالتلفزيون . إنهما نفس الصناديق العجيبة التي توظف مخترعات وتقنيات في مجا ل الإتصال البصري والسمعي .وإذا لما يكونا إخواننآ فإنهما أبناء عمومه لهما نفس المواصفات والخصائص والجينات. لقد أصبح الواحد في حيرة عندما يسمع أن السينما حرام بينما يتسابق الجميع إلى مشاهدة التلفزيون بل وحتى الظهور فيه . هل من تفسير لذلك ؟ وهل ما طبقناه على التلفزيون غير ممكن أن يطبق على السينما؟ . مجتمعنا بحاجة إلى إيضاحات وتفسيرات لهذه الإزدواجيه فقد تعب الكثيريون  من الظهور بشخصيتين واحدة في المجالس العامة والأخرى في أماكنه الخاصة ومنها بيته أو أثناء سفره. إن تناقضاتنا أوجدت شعورآ نفسيآ بالقلق لكل مهتم في مستقبل أبناءنا الذين لم يعودوا كما كنا يأخذون بمقولة "اللهم إرزقني إيمان كإيمان العجائز" ولكن بداؤا بطرح الإسئلة والبحث عن إجابات عميقة ومدروسة تجعلهم في تصالح مع العالم الذي يعيشون فيه الأن والذي أصبحت لهم قدرات مهولة لمعرفة مايدور فيه ولوكان في جزر  واق الواق. علينا أن نعي المرحلة وحركة التواصل العالمي المتسارع  وأن شبابنا جزء منه. وإذا أهملنا هذه الحقيقة فعلينا أن لا نبكي على اللبن المسكوب في المستقبل . دعونا نأخذ المفيد من كل شيء ولا نغلق الأبواب حتى لايخرج الناس من النافذة "وكأنك يامهنا ماغزيت". اللهم أصلح الحال وأرزقنا ووطنا الأمن والأمان بقيادة قائدنا سلمان بن عبدالعزيز وعضديه الوفيين للوطن والمواطنين وفي ظل شريعة سمحاء كانت ومازالت لخير الإنسان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق