منذ آلاف السنين و وجود النصب والنصابين أمر معروف وقائم
فالمدينة الفاضلة لا توجد إلا في خيال المثقفين والمصلحين الحالمين . النصب هو
جريمة متكاملة الأركان ولكن الناس يشمئزون ويغضبون من وجود قصص وحكايات جرائم
القتل على سبيل المثال ولكنهم يتساهلون ويتندرون على قصص ونوادر النصابين وهذا ما سهل لهم
الإستمرار وتطوير أساليبهم وطرقهم لإن معاقبتهم على جرائمهم مازالت ( وعلى الأقل
في الذهنية الإجتماعية ) أخف وطأ من أنواع الجرائم الأخرى . ومما لا شك فيه أن لغة
النصب عالمية وهي موجودة في كافة المجتمعات والأوطان ولذا يتم تبادل الخبرات بين
النصابين وتنتقل أساليبهم عبر البحار والمحيطات . ووسائل الإعلام تزخر بكم هائل من
هذا الواقع الإجرامي وبعضه يمكن أن يدخل في باب الكوميديا والتسلية والضحك لإن
النصب يقوم في الأساس على التلاعب بالقدرات العقلية بين الطرفين النصاب والمنصوب
عليه . ورغم أن حكايات النصب العالمية مغرية لسردها إلا أن هدف هذه المقالة يحتم التوقف
في الرغبة للإستمتاع بالنصب العالمي ويجبرنا على الإلتفات إلى بعض من النصب المحلي
والحديث عن "النكهة" المحلية في وجبة النصب .
هذا اليوم أكرمني أحد الأعزاء بإرسال مقطع لأحد نشطاء الإعلام
الإجتماعي ( وبالمناسبة هذا الشاب شاهدت له عدة مقاطع كلها ذات أهداف توعوية
إجتماعية فجزاه الله خيراً ) . المقطع يوضح محادثة بين هذا الشاب وأحد الأشخاص
والذي يطلق عليه "شيخ" . مختصر المحادثه أن الشاب يطلب من الشيخ أن "
يقرأ " في خزان الماء الخاص ببيتهم فيرد الشيخ هل هو دبلوكس أو فيلا !!! ثم
يسأله الشاب عن السعر فيقول 900 ريال فيستغرب الشاب ذلك ولكن " الشيخ "
يرد بإن هذه أسعارهم . عندها تنتقل المحادثة على تحديد الموعد فيقول الشيخ بعد
أسبوعين مما أثار إستغراب الشاب ويقول له بلغة ذكية أجل عندكم زحمه فيرد "
الشيخ " ما هو شغلك .
هذه هي أحد حكايات النصب ذو المذاق المحلي والتي نشرها
الشاب جزاه الله خيراً بهدف توعية الناس لما يدور ويحصل . السؤال الذي تبادر إلى
ذهني بعد المشاهده للمقطع هل هذه حالة شاذة وغريبة ؟ وبسرعة جاوبت تساؤلي بـ (( لا
)) كبيره فمثل هذه القصص يمكن أن نقول أنها موجودة في كل حي وليس كل مدينة فقط .
فتجارة الدجل لها موظفيها ومؤسساتها ومبانيها التي تدور وتدار فيها ملايين
الريالات وبمشهد واضح للجميع ( وأعني الجميع ) وعلى قولة (( على عينك يا تاجر )) .
بل أن الأمر المحزن أن الكثيربن وأنا منهم سقطنا في مرحلة ضعف إنساني أمام عملية
النصب التي نشجبها الآن .
الكل يعلم أن " المذاق المحلي " للنصب طور نفسه و " هندامه "
وشكله الخارجي حتى يصبح أكثر قبولاً وكذلك كوسيلة دفاع ذاتي عن النفس عندما تضيق
الطرق وتقل الحيلة .
ومن المحزن أن تجارة النصب حتى لا تخضع لمراقبة الأسعار
فكرتون الماء الذي يباع في الأسواق بـ 12 ريالاً يباع بـ 50 و 60 ريالاً فأين
حماية المستهلك !!! (( عذراً لحماية المستهلك ولكن الكوميديا السوداء تجبرنا على
إستخدامهم مع الشكر لجهودهم ودورهم )) , قارورة زيت الزيتون تصل إلى 200 ريال
بينما سعرها في السوق لا يتعدى 60 ريلاً . هذا غير العسل والحلبة السوداء وبقية
قائمة السلع المستخدمة من قبل النصابين .
أما السلع الذاتية أكرمكم الله من تـ ...... وبـ .......
فهذه يتحدد سعرها حسب معايير آخرى يقوم بها " التاجر " .
طبعاً هنالك قائمة طويلة مثل الكي والقص والاستحمام و
................. الخ كلٌ له سعره .
ومع رواج وربحية هذه البضائع إلا أن لكل تاجر طريقته ,
فبعضهم مباشر بطلب أتعابه ويزيد ذلك إذا
كانت الخدمة منزلية " Delevery " سواء له أو لبضائعه . أما البعض الأخر فإنه يوكل المهمة
لمساعديه أو يترك الباب مفتوحاً لكرم أو سذاجة الزبون حيث يشاع بين الناس أنه لا
يأخذ شيئاً ولكن ما تحط في جيبه لا ينظر إليه فهو شخص كريم محب للخير !!! ولعل ما دار
في وسائل الإعلام المرئية والمقروءه هذه الأيام عن شخص يتنقل بين المدن ويستأجر
الإستراحات ليمارس الكي لكافة الامراض وبنفس الطريقة ونفس الأدوات وتزاحم الناس
عنده وإنتظارهم بالساعات لخير شاهد على " المذاق المحلي للنصب " .
أخيراً دعونا نختم ( فالموضوع طويل ومتشعب ) بتساؤل صريح
: أين أجهزة الحكومة في المدن والقرى والمحافظات عن ذلك !!! وهو يتم أمام أعيونهم
والتجمعات حول بؤر النصب لا تخطئه العين . فإذا كانت مثل هذه الظواهر ليست ذات
قيمة فلا نستغرب من عمليات النصب العالمية التي تصلنا في صورة بضائع وأشخاص يملئون
أسواقنا وكان أقلها ما تقوم به كثير من العمالة من تزييف تواريخ الصلاحية للمنتجات
وتمرير البضائع المضروبة نوعاً ونوعيه فمن يريد تطوير المجتمع وإصلاحه يجب أن لا
تغيب عنه الصغيرة قبل الكبيرة .
وبالله التوفيق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق