الخميس، 21 أكتوبر 2021

لا تمت ... قاعداً

التقاعد مصطلح يجد صداه أكثر في مجتمعاتنا العربية لأنه يعني في الغالب إنتهاء جزء من القيمة الاجتماعية الناتجة عن الموقع الوظيفي والذي يمكن الشخص من إضفاء نوع من الأضواء حوله. ففي وظيفته يستطيع أن يتوسط وأن يقدم خدمة للآخرين من أقارب ومعارف وأصدقاء . ولذا فإن الكثيرين منا في المجتمع العربي يحس بفقدان شيئ عظيم عندما تحين ساعة التقاعد فيبدأ الواحد يضرب أخماساً بأسداس ويتحسر على أيامه ويصبح شغله الشاغل (ولو كان بدون قصد) تذكير الآخرين بتاريخه سواء كان عن طريق الفعل أو القول. (طبعاً لاننسى قضية مراقبة مصاريف الكهرباء وإطفاء اللمبات في كل مكان) ولقد نتجت أهمية التقاعد في حياتنا سابقاً لأن أكثرنا موظفي قطاع عام (حكومة) وكلنا نعرف ما تعنيه أجهزة الحكومة من هيمنته على حياتنا اليومية. ولذا أصبح معالجة كارثة التقاعد أمر يجب أن يتشارك فيه الجميع . إن مصطلح (مت .. قاعد) هو مصطلح معبر عن واقع يعيشه من يصل إلى هذه المرحلة من حياته لدرجة أن الكثير لا يعرف ماذا يعمل فكل حياته قبل لحظات التقاعد تقوم على مقومات مالية واجتماعية ذات صبغة مغرية مرتبطة بالوظيفة وبين ليلة وضحاها ينقلب الحال ويقل زواره وتتناقص أرقام التلفونات التي تتصل به فيحس بالفراغ والإحباط. بل أن إحباط المتقاعد قد يصل إلى بيته الخاص ودائرته الضيقة. كل هذه المعاناة ناتجة عن فهمنا الخاطئ للعمل والتقاعد ومراحل الحياة المتنوعة. فأكثرنا لا يؤمن أن لكل مرحلة زمنية من العمر حلاوتها وجمالها متى ما أستطاع الإنسان فهم ذلك ووضع المسارات المناسبة والعمل على ضوءها. إن مرحلة التقاعد ليس المقصود بها مت .. قاعداً ولكن (وحسب فهمي المتواضع) هي مرحلة الإبتعاد عن ضغوط الحياة المرتبطة بالعمل والركض والتنافس. إنها مرحلة ترتيب الأولويات والتعويض عن مافات. وفي الحقيقة أن المجالس والمكتبات ومواقع السوشل ميديا تزخر بالألأف من النصائح التي تحاول أن توجد طريقة مناسبة للعيش الهنيئ أثناء ترك العمل اليومي (التقاعد) والإستفادة من مرحلة العمر الحالية وإستثمارها بما يحقق الرضا والطمأنينة والسعادة خاصة أن نسبة المتقاعدين من حجم السكان تتزايد مع مرور السنين وبالذات في مجتمعنا الفتي الذي من المتوقع أن تتضح فيه مشكلة المتقاعدين بشكل ظاهر خلال السنوات القادمة. وحيث أن لكل تجربته ورأيه وقناعته فقد رأيت أن أضع أمامكم ما أرى مناسبته للمتقاعد لعل في ذلك فائدة يكون أجر تطبيقها لي منه نصيب. إن الأولويات التي وصلت إلى قناعة بالأخذ بها تتمثل بالنقاط التالية وحسب الترتيب والأهمية المبينة :
1- زيادة الأوقات المخصصة للتقرب من الله سبحانه وتعالى فمرحلة العمل والركض قد ينتج عنها بعض التقصير والإنشغال بحيث نركز على الواجبات اللازمة فقط. ولذا فإن مرحلة التقاعد فرصة ذهبية للإستزادة من فضل الرحمن مثل قراءة القرآن والذكر في أوقات مناسبة تزيد صفاء النفس وبث السمو والطمأنينة.
2- ممارسة الرياضة المناسبة واختيار ما تهوى النفس وما تقدر عليه العضلات والحواس. ولعل السباحة والمشي أمران تجد إتفاق كبير عند المختصين وكذلك ما يشهده مارسهما من فوائد لاتعد ولا تحصى.
3- تعويض العائلة الصغيرة من زوجة وأبناء وأحفاد بإعطاءهم الوقت الكافي الذي يسعدك ويسعدهم . إنها تفاصيل صغيرة ولكن نتائجها كبيرة.
4- الهدوء والتسامي عن منغصات الحياه والبعد عن النقاشات أو المشاحنات التي لا تفيد ولا تغني ولكن وجودها يقصر في العمر ويسرع بالأوجاع والأسقام . دع الخلق للخالق ودع إدارة الحياة العامة لمسؤوليها وروض نفسك بأنك لست الأمين العام للأمم المتحدة فالدول والمجتمعات الأخرى وبحر السياسة المتلاطم خارج قدراتك وليس من مسؤولياتك . وفي هذا الجانب كل ما أبعدت عن متابعة الأخبار ومايحصل فيها من حروب وكوارث وإنشقاقات وتعارك كلما كنت أكثر سعادة وأقل تعاسة.
5- متع نفسك بالسفر المعقول والمتزن وفي حدود إمكانياتك. وهنا أنصح أن يكون السفر فرصة للراحة والهدوء وليس ركضاً وتنقلاً بحيث تحتاج بعده إلى راحة أخرى تعوضه . إن السفر المطلوب ليس السفر الذي تعوذ منه رسول الله محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام عندما استعاذ من وعثاء السفر.
6- طور ما لديك من هوايات أو إستحدثها للإستفادة من وقتك. وفي هذا الجانب فإن الباب مفتوح والمجال واسع حسب ما ترغب. ولعل القراءة ولما تحب من إتجاهات وأفكار أمر جميل ومحبباً . كما أن فكرة الكتابة والتعبير عن النفس أو الفكر (إذا كان توجد موهبة الكتابة) أمر له مميزاته. ولعل كتابة الذكريات والسيرة الذاتية لها فوائد للغير خاصة محيطك الصغير فهو سجل يمكنهم الإسترشاد به والإستفادة من محتوياته. المهم أن تجد هواية تحبها أو ترغب في ممارستها وإعطاءها جزء من وقتك.
اللهم أسعدنا في الدنيا والأخرة وأرزقنا راحة البال وصفاء النفس والتسامي وأن يوفقنا على أن نستمتع بمرحلة التقاعد كما يجب . اللهم اجعل 1 / 7 برداً وسلاماً على من يغادر عمله متقاعداً وأن يجعل ذلك بداية إنطلاقة لمرحلة حياتيه جديدة سعيدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق