على مر العصور إجتهد المفكرون والفلاسفة لإيجاد صيغ ونظريات تساعد الإنسان على العيش الكريم في ضوء مجتمعات تحكمها قيم ومبادئ تحاول أن تؤصل السبل لإدارة العلاقات وضمان الحقوق وفرض الأمن واستثمار الموارد لبناء المجتمعات. وعلى مر العصور حاول كثير من الساسة والقادة اختيار الأطر التي يرونها مناسبة لإدارة بلدانهم ومجتمعاتهم فمنهم من نجح ومنهم من فشل لأسباب خاصة بكل مجتمع . وعند دراسة واقع الحال فعلينا أن نكون عقلانيين بما نصل إليه من تقييم فوجود نظريات تؤطر للديموقراطية وماتحتويه من مبادئ ومثل هو أمر جميل ولايختلف عليه اثنان ولكن المأساة تتواجد في التطبيق وماحصل من استغلال واستثمار للقيم الخيرة وتحويل ذلك لأهداف وغايات بعيدة كل البعد عن ما أراده المفكرون والفلاسفة أصحاب النوايا الطيبة. وكما يقال دائماً إن الشيطان يكمن في التفاصيل لذا فإن شيطان الجشع والعنصرية تسرب للنظرية الديموقراطية الصافية النقية وحولها إلى وسيلة استعماريه يفرضها القوي على الضعيف وتسلب الحقوق باسم الحق وتمتص الخيرات باسم المسؤولية الدولية عن الآخرين حتى أصبح بيت الانسان ليس ملكاً له وخاضعاً لإدارته وإنما من يتحكم به وبيده مفتاح الباب هو اللص الذي يريد سرقته. فياله من عالم غريب ويالها من جريمة أخلاقية تمارس تحت أنظار الطيبين والخيرين دون أن يتمكنوا من أن يصدوا العدوان أو على الأقل يقولوا للمعتدي أنت كاذب أو مخطئ كأضعف درجات الإيمان للصدع بالحق
وخلال المائة عام الماضية كان هنالك هيمنة لمفهوم الديموقراطية التي كيفتها المجتمعات الغربية ووضعتها على المقاس المناسب لهم وبما يحقق مصالحهم الداخلية والخارجية وقد حققت هذه الديموقراطية شهرة عارمة نتيجة الضخ الإعلامي والتسويق الكبير لها كنموذج وحيد قادر على قيادة كافة أركان الكرة الأرضية. بل أن المجتمعات الغربية قد استخدمت القوة العسكرية في أحايين كثيرة لفرض مولودهم الخديج على مجتمعات اخرى تختلف عنهم بالفكر والثقافة والأهداف. ولقد استخدمت آليات ووسائل متعددة لتسويق المفهوم الغربي للديموقراطية وإيهام الناس من كل مكان أنه هو الحل الوحيد لكل مشاكلهم. وبصرف النظر عن تقييم المحتوى الفكري ومدى صلابته إلا أن السؤال المهم والكبير هل قامت مراكز الأبحاث والعلماء والمفكرين بتسليط المجهر على الديموقراطية الغربية ودراستها على أرض الواقع ومدى انسجام النظرية مع التطبيق؟ وهل الأهداف والغايات للحض على تطبيق الديموقراطية خاطئة في العالم الثالث(والتي يطبل لها صناع القرار في المجتمعات الغربية) تنطلق من قناعة بجدواها وقيمتها الأخلاقية الإنسانية أم أن الهدف الحقيقي هو استخدامها كعصا غليظة لإمتصاص خيرات العالم الثالث وفرض السطوة والسيطرة على الأنظمة السياسية وجرها تحت الوصاية والإستعمار المتستر في عالم اليوم. إن ممارسة القوى الغربية وامتصاصها لثروات وخيرات العالم والعبث في مقدرات شعوب الكرة الأرضية هو نموذج صارخ لمدى الكذب والدجل الممارس تحت غطاء تطبيق الديموقراطية وفرضها. فمن لم يسر بالركب فالويل والثوبر له فالجمعيات المصطنعة والملاقية جاهزة لشن الغارات مستخدمة الوسائل الإعلامية المشبوهة والتي تدار من قوى الشر التي أعمتها الرأسمالية البغيضة وجشعها المتوحش.
لقد عاش عالم اليوم خلال المائة سنة الماضية تحت سطوة الديموقراطية الزائفة التي لا هدف لها إلا تكوين الثروات وأن تكون من نصيب قوى الرأسمالية المتحدة حكومات كانت أو أفراد حتى أصبحت ثروات بعض الأفراد في الدول الرأسمالية تتجاوز ميزانيات الكثير من دول العالم الثالث بعشرات المرات. إن كل عاقل ذو حس إنساني يعرف أن الديموقراطية المشوهة الممارسة حالياً ماهي إلا وسيلة في أيدي قوى الاستعمار الجديد وإن حرصها كمنوذج عادل ماهو إلا وهم وسراب يتبعه الظمآن. وحيث أن الوسائل والممارسات تتطور مع الزمن حسب الحاجة فقد بدأ العالم خلال السنوات الماضية يشهد قوة جديدة (ولدت من رحم الديموقراطية الكاذبة) في ايدي المستعمريين اسمها جمعيات حقوق الإنسان فمن كان خارج ركبهم فياويله وياسواد ليله من الحملات والمظاهرات والتقارير والمؤتمرات التي لا تكل ولا تمل تحت مسمى حقوق الإنسان المهدرة!!! إن مصطلح حقوق الإنسان في عالم اليوم هو القوة الناشئة لإخضاع الحكومات والشعوب. فمن كان مرضياً عنه فهو في أمان يعمل مايريد من قتل وسحق واستنزاف للموارد والثروات , ومن كان غير ذلك ورفع صوته ضد النهب والسلب الإستعماري فأبواق العملاء جاهزة له باسم حقوق الانسان. هل سأل أحدنا عن حقوق الإنسان في المجتمعات الغربية خاصة للأقليات والمهاجرين؟ هل ناقش أحد وفضح جرائم سجون قوى الاستعمار الجديد وكم تحتوي هذه السجون من الالاف أوقعها حظها السئ في ايدي جزاولة الرأسمالية الاستعمارية المشوهة؟
إن الحقائق على أرض الواقع تفضحهم ولذا على كل عقلاء البشرية في العالم أن يقفوا في وجه الاستعمار الجديد وأساليبه المقززة ضد شعوب العالم الثالث مثل فرض الديمقراطية الغربية بالقوة والدسائس أو التقارير الكاذبة والمفبركة حول مايسمى حقوق الإنسان ولنعترف جميعاً أن الغايات النبيلة لايمكن أن تتحقق عن طريق من أدمنوا استغلال الشعوب الضعيفة واستعمروا أراضيهم قديماً واليوم يمتصون ثرواتهم بشكل بشع بعيد عن مبادئ العدالة والأخوة الإنسانية الطاهرة التي تؤمن بالمشاركة وليش العبودية والرضوخ تحت مطرقة الجمعيات الوهمية ومايساندها من إعلام تابع لايرى ولايبحث عن الحقيقة ولكن يعمل مايحقق مصالح الاستعمار الحديث وجشعه المتوحش سواء كان ذلك من قبل حكومات أو أفراد. ولذا فلنضع أصابعنا في أعين دجالي ناشطي حقوق الإنسان المسيس والمتآمرين اللذين لايرون إلا ما يطلب منهم ولندر رؤوسهم الى المجتمعات التي ينطلقون منها لعلهم يروا حقوق الإنسان الضائعة والمهانة والمهدرة عندهم قبل أن ينظروا إلى الغير فمن كان بابه من زجاج فعليه أن لايرمي حجراً على أبواب الآخرين. نسأل الله أن يمكن قوى الخير في العالم من إعادة التوازن على وجه الأرض وأن يعم الأمن والسلام كافة أنحاء المعمورة إنطلاقاً من مبدأ "أحب لأخيك ماتحب لنفسك ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق