الثلاثاء، 4 أبريل 2023

تحديات التنمية

 لا تحسبن "التنمية" تمراً أنت آكله

لن تبلغ "التنمية" حتى تلعق الصبرا  *


 التنمية وما أدراك ما التنمية!!!. التنمية مفهوم وكلمة ظاهرها بسيط وباطنها صعب وشاق ودونها خرط القتاد. إن استعارتنا للبيت الشعري القديم في بداية المقالة وإجراء بعض التصرف فيه لتعبيره الصادق عن مضمون التنمية والجهد المطلوب لتحقيقها. إنها (أي التنمية) هي الغاية والهدف المنشود في كل مناحي الحياة بل هي الترياق الشافي للمجتمعات من أمراضها وآلامها . لذا فجميع شعوب العالم تبذل الكثير من الجهد فكرياً ومادياً للوصول إلى معدلات تنموية تناسبها وتتعامل مع واقعها. وهذا التوجه للتعامل مع الواقع هو شرط ضروري وأساسي لكي تنجح التنمية . فالتنمية ليست مقاس واحد(free size) ‏فما يصلح لمجتمع ما قد لا يكون صالحاً لمجتمع آخر.

‏كذلك يجب أن نعرف أن من أهم صفات التنمية أنها عملية مستمرة (dynamic) وليست عملية جامدة (static) ولذا فإنها تتغير مع الوقت والمؤثرات وتغير الظروف والمعطيات. ولذا فلا يمكن أن نختار نظرية أو نموذج تنموي في مجتمع ما ونعتقد أن الأمر انتهى عند هذا الحد . إن إي مسؤول عن التنمية هو في واقع الحال يعيش يومه مهموماً بمتغيراتها ومستجداتها وكأن بيت الشعر الذي استعرناه في مقدمة المقالة هو بيئته اليومية . أنها جهد وجهاد لاتقبل الغفوة أو النومة. أعان الله كل مسؤول تنموي يتولى مسؤوليتها محتسباً وقته وجهده لله وحده لا شريك له وواضعاً الوطن والمواطنين نصب عينيه. كذلك فالتنمية ليست أمرا سهلاً أو بضاعة جاهزة يمكن شراؤها فلو كان الأمر كذلك لما وجد مجتمع متخلف أو (غير نامي ). التنمية هي عملية وجهد معقد ومستمر وتحتاج أعين رقيبة تتابع مراحل التنمية وتغيراتها ومتطلباتها فهي عرضة للتأثير من عوامل داخلية وخارجية. فالتنمية ينطبق عليها قول الشاعر العربي القديم حوط بن رئاب الأسدي : (وكابدوا المجد حتى مل أكثرهم ..... وعانق المجد من أوفى ومن صبرا). وهي قابلة للتأثر من كل متغيرات العالم سياسياً وتقنياً وعلاقات دولية وغير ذلك من عوامل التأثير . كما أنها تتأثر كذلك بالعوامل الداخلية من توجهات وفلسفات إدارية ووفرة وندرة الموارد الاقتصادية سواء أن كانت طبيعية أو بشرية أو نظم وإجراءات إدارية. ومع أن مصطلح التنمية يمكن أن يتفرع إلى أجزاء (أو تخصصات بلغة الأكاديميين)  فنجد التنمية الاقتصادية و التنمية الاجتماعية والتنمية الثقافية وتنمية الموارد البشرية وغير ذلك من المسميات إلا أنها كلها في الاخر تمثل لبنات يكمل بعضها بعضاً في إتمام البناء على شرط أن تكون كل هذه الجزيئات التنموية تنطلق من منصة واحدة أساسية تنطلق منها المسارات والمحددات و الإمكانيات. ولذا فإن موضوع التنمية على المستوى الوطني عندما يتم نقاشه والحديث عنه يجب أن يتجه للمعنى الشامل والكامل وهو ما يعرف بالتنمية الشاملة . ومصطلح التنمية الشاملة هوالفكر التنموي المهيمن على إدارة التنمية لأنه يتعامل مع كل الأبعاد التي تحتاجها المجتمعات للتطور والتقدم وقد أثبتت التجارب الدولية خلال الستين سنة الماضية فشل بناء أي مجتمع على بعد تنموي واحد فقط وإهمال الأبعاد الأخرى. ولقد ساد بين المختصين مصطلح أنه لا يمكن أن ترقص بقدم واحدة فلابد من وجود القدمين معاً لتظهر الرقصة بحلة زاهية جميلة مقبولة. إن العمل على مبدأ التنمية الشاملة لا يغفل عن أبعاد على حساب أبعاد أخرى.  فالإهتمام بالتنمية الاقتصادية يجب أن لا يؤدي إلى إهمال التنمية المكانية والتنمية المادية ليست بديلاً عن التنمية الروحية. وعليه فإن تحقيق معدلات نمو (growth) جيدة فقط ليست كافية دون معالجة معدلات البطالة و إيجاد وظائف جديدة في الاقتصاد الوطني ولابد أن يأخذ في اعتباره توزيعها المكاني على رقعة الوطن .... إلخ . ولعل أصدق وصف لضمان تكامل مسارات التنمية مع بعضها البعض هو وصفها كوجود أوركسترا تتكون من آلات موسيقية متعددة بعازفين متعددين يحتاج كل ذلك لقائد أوركسترا يضمن تفاعل الجميع وتكاملهم مع بعض وإلا لأصبحت المعزوفة الموسيقية نشازاً يفر منه المستمعين ولا يمتعون أذواقهم وذائقتهم بجمال المقطوعة السمفونية . وأخيرا لعلنا نختم بالتطرق لعدد من المعايير التي نرى ضرورة وجودها في كل جهد تنموي حتى نضمن الوصول للتنمية الشاملة:

  1. تمكين القطاع الخاص السليم ومساعدته للنجاح من خلال الحد من الإحتكار والتمييز بين دعم رجال الأعمال ورجال المال .
  2. التأثير المكاني للبعد التنموي .
  3. إيجاد وخلق الفرص الوظيفية للمواطنين .
  4. الموائمة بين استثمار الموارد واستدامتها .
  5. تقليل الفجوة ومعالجة التباين بين الدخول للقوى البشرية المشاركة في التنمية وتطوير نماذج تتعامل مع ذلك .
  6. قياس التأثير الاجتماعي والثقافي قبل الاقتصادي في تقييم التنمية.
  7. تحسين جودة وفعالية القطاع العام ونبذ البيروقراطية السلبية .



* مع كامل التقدير والاعتزاز بشعرنا العربي الأصيل فإن الإعتذار واجب للتصرف بالبيت الشعري الوارد بالبداية لخدمة مضون المقالة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق