الثلاثاء، 5 سبتمبر 2023

الحاجة إلى هدنة بين الأفعال والأقوال

 الحاجة إلى هدنة بين الأفعال والأقوال

قبل عدة سنوات كتبت مقالاً في جريدة الاقتصادية بعنوان («سوف» و«سا» ومسيرة البناء) تتمحور فكرته على المبالغة في إصدار الوعود المستقبلية التي لاتبنى على معطيات تدعمها وإنما يطغى عليها البريق الإعلامي. واليوم أعود إلى جوهر الموضوع ولكن من زاوية عملية تتناسب مع مرحلة التطور في المملكة القائمة على رؤية 2030 حتى نحقق الأهداف السامية للرؤية وموقع المملكة في مرحلة جديدة تكون أقرب ما تكون لمجموعة دول العالم المتقدم Developed) countries) والبعد عن مجموعة الدول النامية Developing) countries) فإن ذلك يتطلب فكراً تنفيذياً جديداً يقوم على الأفعال لا الأقوال . والأمر المطلوب بكل بساطة من القادة التنمويين في القطاعين العام والخاص هو الإقتداء بقائد التنمية الأول صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز والذي طبق عملياً مبدأ الفعل أهم من القول . فعندما رسم وقرر وضع الرؤية المباركة لم يصدر التصريحات وإنما شكل فرق العمل وأدارها حتى نضج كل شيء ثم قال للآخرين انظروا بأنفسكم ماذا نريد وكيف نحققه . بل أنه حفظه الله دعا واجتمع بالكثيرين وسمع مرئياتهم واقتراحاتهم (وهذا سجل تاريخي لو أخرج للعامة إعلامياً لكان مثالاً رائعاً ومميزاً للإدارة العليا وكفاءتها وأسلوبها في اتخاذ القرار).

اليوم المملكة في مرحلة أخرى في طريق التنمية وسكانها جيل جديد متنور يغلب عليه الكفاءة والمنهجية العلمية الواعية التي تتعامل مع الأرقام و تدرسها وتحللها. إنه جيل شاب يعتمد عليه بعد الله عراب التنمية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لواقع جديد مأمول وقد كرر حفظه الله في أكثر من منبر إعلامي ثقته في أبناء الوطن وشبههم بجبل طويق إعزازاً وتقديراً لما يتوقعه منهم في المرحلة القادمة . إن عام 2030 ليس ببعيد فبيننا وبينه حوالي سبع سنوات وهذا يلقي عبء على عاتق الجميع لشد المئزر والعمل بكامل الطاقة والقدرة لضمان الوصول إلى 2030 وقد وصلنا إلى الهدف المنشود. ولذا فلم يعد مقبولاً أن يركن بعض القيادين التنفيذين على الأسلوب القديم بإطلاق الوعود الفضفاضة . بل أن هذا الإسلوب له انعكاسات سلبية على الجميع وليس هم فقط. 


إن واقع التنمية اليوم للمملكة وما وصلت إليه في طريق تحقيق رؤية 2030 يحتاج في رأيي لثورة إدارية من القيادات التنفيذية وإلتزاماً منهم بأن يقدموا الفعل على القول بل أنني أقترح بأن نؤجل الأقوال ونتعامل مع الأفعال فقط. وإنني أدعو إلى هدنة بين طرفي الحرب القول والفعل بحيث يحتفظ فريق الأقوال بقواتهم "الكلامية"  و يضعوها في مخازن مغلقة و يفسحوا المجال لفريق الأفعال ليعملوا ويدفعوا التنمية في المملكة إلى هدف 2030. إن القادة التنفيذيين المطلوبين اليوم هم من النوعية التي تخاطب العقل وتركز على العلم والتجربة فجيل اليوم مثلاً يعرف ويعي معنى الطاقة الاستيعابية للإقتصاد الوطني ولذا عندما يطرح قائد تنفيذياً أرقاماً خارج المعقول فلن يصدقها ويقبلها أحد  وبالتالي تكثر الإنحرافات في المسيرة التنموية . وعلى سبيل المثال لو صرح قائد تنفيذي أن مشروعاً أو برنامجاً سوف يوفر مليون فرصة عمل فإنه بلا شك قائد غير مهني لأن هنالك مايعرف بقدرات الإقتصاد على إيجاد الوظائف (أو مايعرف بتوليد الوظائف) والتي لايمكن بأي حال من الأحوال أن يصل إلى هذا الرقم من كافة البرامج والمشاريع فكيف ببرنامج أو مشروع واحد!  وعلى ذلك فقس كافة الجوانب الأخرى من الطاقة الاستيعابية للإقتصاد الوطني .

لذا فإن الوقت أصبح ضرورياً لأن نسمع من القائد التنفيذي في أي قطاع أن يقول لقد وفرنا العام الماضي عشرة آلاف وظيفة بدلاً من أن يقول سنوفر مائة ألف وظيفة العام القادم . أو أن يقول آخر لقد وفرنا عشرين ألف سرير مريض جديد بدلاً من أن يقول أنه خلال الخطة الخمسية القادمة سوف نوفر 300 ألف سرير مريض .... وهكذا لبقية مكونات التنمية . ومع إيماني التام بأن القيادة الحكيمة للبلاد وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وعراب التنمية الجديدة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان يمارسون القيادة والرقابة المطلوبة لتحقيق التنمية فهذا أمر لا يشك فيه عاقل وعارف ومتابع إلا أنني أدعو لزيادة الفاعلية والتفاعل من كافة القطاعات وبأساليب أكثر حداثة ومشاركة مع المجتمع فرؤية 2030 هدفها وغايتها هو الوطن والمواطن والمقيم في هذه البلاد . وزيادة تفاعلهم ورفع كفاءتهم وتكثيف جهودهم هو خير على خير يعين القيادة ويحقق تطلعاتها .

أخيراً لعلي أختم باقتراح لعله يجد القبول وهو أن السنوات السبع القادمة حتى 2030 هي مرحلة دقيقة وهامة وعليه فقد يكون من المناسب أن نضيف بعداً توعوياً وإعلامياً لمسيرة الرؤية وذلك أن نربط اليوم الوطني في 23 سبتمبر (والذي ينتظره الجميع ويتشاركون به الاحتفال والاعتزاز والشعور الطاغي بحب الوطن ومنجزاته)  من كل عام بإنجازات الرؤية بحيث يتم في 21 أو 22 سبتمبر من كل عام إعداد جهد إعلامي رسمي يوضح ما تحقق كل عام في طريق الوصول إلى عام 2030 . عليه نقترح وجود تقرير سنوي مركز في ذلك الوقت من كل عام يقدمه كل من :

1- جهة تنفيذية حكومية لجهود القطاع العام .

2- مجلس الغرف التجارية لجهود القطاع الخاص .

وفي ضوء محددات عملية دقيقة قابلة للقياس والتقييم . إنني على ثقة أن تحقيق ذلك سوف يكون محل إنتظار وترقب من الجميع خاصة المهتمين بالتنمية ولعل ما يتم في إعلان الميزانية العامة للدولة (ومايصاحبها من ترقب وتقييم ودراسة ) لخير مثال لأهمية الآلية المقترحة .


أخيراً حفظ الله الوطن وقائده خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز و ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وكل ذكرى وطنية سعيده هي تاج على رأس المواطن والمقيم في هذه البلاد الطاهره.

وبالله التوفيق

هناك تعليقان (2):