حتمية فناء العالم على كوكب الأرض هو أمر له من الجزمية الشيء الكثير. وقد تطرق لذلك الكثير من الفلاسفة والعلماء وتم مناقشته منذ زمن بعيد ولقد أشار نبينا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام إلى ذلك منذ اكثر من 1400 سنة عندما أوضح بعض الأمور التي يدل ظهورها على اقتراب القيامة. ونحن كمسلمين نؤمن بذلك ونعتبر التصديق به من المسلمات وإن كان تحديد الوقت والزمان من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
كما أن مفكري وعلماء البشرية من الثقافات والأديان الأخرى لهم مرئياتهم ونظرياتهم حول فناء العالم وقاموا بالتطرق إليه من منظور وقيم ومبادئ ونظريات مادية ولكنها تصب في النهاية إلى نتيجة واحدة وهي أنه لابد لهذا العالم القائم حالياً من نهاية وأن وقوع ذلك مؤكد ومعلوم وأما الكيفية فهي مجهولة. ولعل الفيلسوف الأمريكي الجنسية الياباني الأصل فوكوياما كان من أبرز من حاول تسليط الضوء على هذه المفاهيم وقدم بعد دراسات وأبحاث عديدة نظريتة المعروفة بنهاية التاريخ والتي أثارت زوبعة فكرية وحصلت على نقاشات كبيرة وكثيرة حولها من قبل الفلاسفة والمفكرين خلال فترة الثمانينات والتسعينات.
والحقيقة التي يمكن مشاهدتها ومتابعتها أن العالم وصل اليوم إلى مرحلة خطيرة وكثير من المؤشرات تدل على أن العد التنازلي للنهاية الحتمية ليست بعيدة إلا أن يبدل الله سبحانه وتعالى الحال إلى حال آخر تعود فيه البشرية إلى مسارها وقيمها الفاضلة التي سنها لها خالق هذا الكون.
إن واقع الحياة في عصرنا سواء كان ذلك على المستوى الدولي أو حتى على مستوى أصغر من خلايا الكون وهي العائلة تكاد تنطق وتصرخ خوفاً ورعباً من إنفلات كثير من جزئيات ومكونات العالم وانجرافها في طريق هلاكها وبالتالي هلاك العالم.
فعلى المستوى الدولي نجد أن الحروب إستعرت في كل مكان وأصبح التنافس محتداً لتطوير وإستخدام أسلحة الموت والدمار. وأصبح التهديد باستخدام الأسلحة النووية من قبل بعض قادة دول العالم يردد وكأن ذلك دعوة إلى نزهة في أحضان الطبيعة الخلابة. نعم نحن نعرف أن أسلحة الدمار كانت موجودة منذ سنين عديدة ولكنها كانت محصورة في أيدي دول معينة وكان إستخدامها يخضع لضوابط وإجراءات يغلب عليها شبه المنع من الاستخدام.
أما اليوم فقد فلت العقال وأصبح من هب ودب يسعى لبناء قوة نووية ويهدد بإستخدامها و"على عينك يا تاجر" لقد أصبح كابوس تهور قائد ما بضغط زر إنطلاق الأسلحة النووية رعباً حقيقاً يعيشه الناس البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة. بل أن خطورة هذا التسارع والتساهل في موضوع أسلحة الدمار الشامل أوصلها ليس لقادة دول يتوجس من سلوكهم ولكن لزعماء العصابات وتجار المخدرات فلا نعلم متى تقع الواقعة من هؤلاء المجانين والمهووسين بالسلطة والقوة التي لا يحكمها ضابط أخلاقي أو إجرائي.
إن الصورة القائمة التي نراها على المستوى الدولي وخوفنا المبرر من واقعها الأليم يكاد يتضاعف إذا إنتقلنا إلى كارثة أخرى في المسيرة الإنسانية ألا وهي العائلة ودورها في كل ذلك. لقد أصبح مفهوم العائلة (وهو حصن مهم لبقاء البشرية) يتعرض لهجوم غير مسبوق لتفتيته والقضاء عليه إنطلاقنا من قناعة أهل الشر أنها حاضن لقوى الخير التي قد تضعف وتدمر غايات قوى الشر. إن تدمير مفهوم العائلة وتحجيم دورها أخذ بالتصاعد منذ سنوات عديدة مشاهد في كثير من المؤتمرات الدولية التي تتعرض إلى ضغوط من لوبيات المفاهيم السيئة حول مفهوم العائلة وشكلها ويتم ذلك بناء على خطط وبرامج مشبوهة وتآمريه لا تخفى على عين كل عاقل ومحب للخير. فلم يعد يعقد مؤتمر دولي إلا ويطرح فيه خزعبلات جديدة تحاول تنسف مفهوم العائلة ويتم تقديم مقترحات خطيرة وتأمل بوصول العالم إلى نقطة الفوضى، مما زاد الطين بله (كما يقال) ظهور عاملين خطيرين يساعدان في نحر مفهوم العائلة وتقليص دورها الإيجابي في البناء الإنساني الفاضل، هذان العاملان هما نشر المخدرات وتسميم السوشل ميديا وإيصالها إلى نقطة الفجور وهدم البيوت. وكل ذلك أدى مع الأسف إلى فقدان العائلة دورها المحوري وضياع مركزها في منظومة البناء البشري. طبعاً نحن هنا نتكلم عن التسارع بالانتشار وليس الهيمنة على الواقع. لقد أصبحت السوشل ميديا المسممة والمخدرات وجهي العملة التي استثمرها المفسدون في الأرض لإستخدامها لتسريع مسار البشرية إلى الفناء.
في عالم اليوم لم يعد غريباً أن يقوم شاب واقع تحت هلوسة المخدرات أو إدمان السوشل ميديا بقتل ناس أبرياء سواءً في مدرسة أو شارع أو جامعة أو مركز تسوق وبدم بارد دون وجود أي أسباب أو مبررات ما عدا حالة هذيان عقلي يمر به. بل أن قتل الوالدين والأقرباء أصبح نغمة لم تعد مستغربة خاصة في دول العالم التي بليت بإنتشار المخدرات وإدمان وسائل السوشل ميديا. فتخيل معي أخي القارئ العزيز لو أن هذا القاتل المهووس تأخرت مرحلة جنونه وأصبح في موقع يكون نتيجة قراره تدمير دول أو الكون بأكمله. إن هذه الظاهرة الخطيرة (والتي هي سبب و نتيجة في نفس الوقت) أخذت بالإزدياد مما يثير القلق على المستقبل الإنساني. فعلى سبيل المثال صدرت حديثاً دراسة في إحدى الدول المتقدمة أوضحت أن الأمراض النفسية (نتيجة المخدرات و السوشل ميديا) قد زادت في تلك الدولة خلال الفترة من عام 2000 إلى 2010 بمقدار %34. فياله من رقم مفزع وياله من مستقبل ترتعد منه الفرائص.
إن الأمر خطير ومستقبل البشرية يدخل في مرحلة خطرة إذا لم يتحد أهل الخير في كافة أرقاع الكرة الأرضية لتطوير مبادئ وأسس ملزمة تعيد الإنسان إلى طبيعته الخيرة ومحاربة ما يشوش على هذه المثالية الإنسانية وهذا أمر ليس صعباً متى ما وضع على أولوية قائمة المؤتمرات الدولية ولقاءات قادة العالم.
إن السوداوية التي تطرقنا لها في هذا المقال لا تنبع من رفاهية الكتابة ولكن من خوف حقيقي على مستقبل العنصر البشرى. وختاماً ومع قناعتنا بخطورة المستقبل الإنسانى دولياً وفردياً فإننا كمسلمين مطالبين بالعمل الجاد لتصويب البوصلة وأقل ما يمكن ولو أنه كبير عند الله هو تكريس الدعاء لمستقبل زاهر ففي الأثر العظيم أن صدق الدعاء يصرف القضاء .
اللهم نسألك أن تحفظنا بحفظك وأن تحفظ بلادنا وقادتنا الذين يبذلون الغالي والثمين لحفظ وصون هذا المجتمع ومحاربة كل آفات الشر والفساد. اللهم اهدي أبناءنا وإخواننا لطريق الحق المستقيم القائم على الشرع المطهر . اللهم احفظ عوائلنا من كل شر وقربهم من كل خير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق