الاثنين، 27 مايو 2024

لا تشتكي

 

 يقول الشاعرالكبير إيليا أبو ماضي في قصيدة تزخر بالقيم والمعاني الفلسفية :

كمْ تَشْتَكِي وَتَقُولُ إِنَّكَ مُعْدَمُ    وَالْأَرْضُ مِلْكُكَ وَالسَّمَاء وَالْأَنْجُمُ؟

إن هذه الملكية الواردة في البيت الشعري تدعو كل إنسان عاقل بأن يمعن النظر في حاله وأن يتذكر أن الله أعطاه من الخير الشيء الكثير وعلى رأس ذلك حريته الشخصية التي لا تقدر بثمن بل هي أغلى وأنفس ما يملكه أو يرغب في ملكيته. لقد كثر بين الناس التكالب على الدنيا وهيمن عليها حب الاستهلاك والإنصياع للفكر الرأسمالي الذي حول الإنسان إلى آلة لاهثة نحو التسوق وجمع الثروات وأصبح لا يملأ عين الإنسان أي شيء. فمن يملك بيتاً يريد قصراً ومن كان عنده سيارة يرغب بعدد من السيارات بما في ذلك نوعياتها وموديلاتها المستمرة في التغير والتجدد بل وصل الحال إلى تحمل البعض القروض والديون في سبيل المظاهر الزائفة والهوس الاستهلاكي. لقد أصبحنا مثل من يشرب من الماء المالح فكل ما شرب غرفة زاد ضمأه والعياذ بالله. إن حقيقة الهلع الاستهلاكي والتراكض نحوه أصبح أمراً مشاهداً وفقد الكثيرين الطمأنينة وراحة البال. فالجميع مستمر في البحث عن المزيد ولم يعد قانعاً بماعنده من خير ونعمة وافرة. وقد يقول قائل أن لا ضرر في ذلك فالإنسان يفترض به أن يكون طموحاً باحثاً عن تحسين حياته ورافعاً من مستوى جودتها بما في ذلك حجم ونوع استهلاكه. ولكن السؤال المهم هنا هو هل راعى في سبيل تحقيق ذلك الجوانب الأخرى المهمة ذات الصلة في وجوده مثل محافظته على صحته ورعايته لأسرته وتحقيق الاتزان والتوازن النفسي في يومه؟  إن إجابة السؤال متروكة لكم ويمكنكم إصدار الحكم من واقعكم ومن تجاربكم وملاحظاتكم على محيطكم الاجتماعي.  ولكن الظاهرة المشاهدة أن الكثيرين في ركض مستمر وإنشغال كبير حيث يقضون معظم اليوم بين المكاتب وأمكنة العمل والاتصالات ذات العلاقة التي لا تترك وقتاً للنوم أو الأكل السليم أو الصحة السعيدة المفرحة سواء مع أفراد العائلة أوالأصدقاء المقربين. الكل مشغول والكل يعد الساعات ويشتكي من أنها غير كافية لإنجاز ما يرغب في إنجازه. كم من واحد أجل إجازته السنوية وكم من واحد مرت عليه الإجازات الأسبوعية وكأنها استكمالاً لأوقات العمل ولكن بطريقة أخرى. ومع كل ذلك ومع ما فيه من عيوب إلا أنه لا يحقق المطلوب فما أكثر الشاكين من قلة الوقت ومن عدم كفاية الموارد المالية لتلبية الاحتياجات وتحقيق الطموحات. فمتى نقف ونعيد أولوياتنا ونرتب حياتنا ضمن منظور لا إفراط ولا تفريط.  متى نستوعب أن النهم الاستهلاكي لا نهاية له فهما عملت في هذا الجانب فستجد عندك قصور ونقص.

أنها دعوة صادقة للعودة إلى الطبيعة والتمتع بصفائها وبساطتها. إنها دعوة من وحي التجربة فلا شيء يعدل راحة البال والرضا بما قسم الله وقطف ثمار السعادة مما حولك سواء كان بشراً أو جماداً فالعمر يمضي وما فات لا يعود.

هَشَّتْ لَكَ الدُّنْيَا فَمَا لَكَ وَاجِمًا     وَتَبَسَّمَتْ فَعَلَامَ لَا تَتَبَسَّمُ

تمتع بوقتك وقلل شكواك من الزمان وقلة الوقت ونقص الاحتياجات المادية فهذا طريق لا نهاية له فالحياة ومضات زمنية تمر كسرعة البرق فمن فاته ذلك فلن يستطيع استعادة ما مر. يقول الشاعر الكبير والمبدع صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل :

اليا صفا لك زمانك علّ ياظامي    اشرب قبل لايحوس الطين صافيها

 

 هل نتعظ وننعم بما لدينا أم نقضي وقتنا في الشكوى والتذمر؟

 دعونا نختم هذه الخواطر كما بدأناها بحكمة شعرية جميلة للشاعر إيليا أبو ماضي حيث قال:

أَيُّهَذا الشاكي وَما بِكَ داءٌ        كَيفَ تَغدو إِذا غَدَوتَ عَليلا؟

 

الاثنين، 6 مايو 2024

البدر كما عرفته عن بعد


يعتبر صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن رائداً من رواد التحديث في الشعر في المملكة العربية السعودية . وكان رحمه الله رمزاً يتفق حول تفرده أغلب الشعراء ومتابعي الشعر فهو مدرسة مستقلة بذاتها أحدثت نقلة واضحة منذ بداية السبعينات الميلادية . وأصبح أغلب الشعراء الشباب ينظرون له كرمز يقتدون به ويحاولون السير على منهاجه الجديد الذي لم يكن معروفاً قبل ظهور البدر وتسيده الساحة الشعرية مع كوكبة أخرى من الشعراء المبدعين .

وبدر بن عبدالمحسن لم يكن شاعراً مميزاً فقط ولكنه كان فناناً ذو إحساس مرهف. وكان إلى جانب شاعريته ذو ذائقة فنية في مجال الرسم وكأن الشعر والرسم جناحان يطير بهما في سماء الحب والتجلي الروحي الذي كان ينشده ويسعد به .

طبعاً أنا لم يكن لي احتكاك مباشر ومعرفة وثيقة بالبدر على المستوى الشخصي ولكنني كنت شاهداً على مرحلة بزوغه المبهرة. في أوائل السبعينات الميلادية ساد الساحة الفنية حراك غير معتاد وذلك عندما أطلق بدر بن عبدالمحسن مع الفنان الكبير طلال مداح رحمه الله أغنية "عطني المحبة" والتي قلبت طاولة الفن والذوق الفني كلاماً ولحناً وأداءاً . فقد عمل الثنائي على مشروع تجديدي انطلق في حفلة خالدة أقيمت على مسرح إدارة تعليم الرياض الواقع في جنوب شارع الوشم وشرق طريق المطار (لا أعلم إن كان لايزال موجوداً أم لا) وبعد هذه الحفلة لم يكن الحديث إلا عن البدر وطلال وماقدماه من نقلة مبهرة للفن السعودي والتي رسمت المسار لما جاء بعدها. وكتبت الصحف عن ذلك بانبهار وإعجاب وسطرت الصحف كلمات الثناء والتقدير للثنائي الإستثنائي.

ثم برز البدر كرائد تنويري حداثي وأوكلت له إدارة الجمعية السعودية للفنون في خطوة إدارية تعكس فكر القيادة الاستشرافي للمستقبل ورغبتها في تحديث جميع نواحي الحياة. وكانت فترة بدر بن عبدالمحسن في الجمعية السعودية للفنون هي فترة الغرس والعناية والإنطلاقة للفنون السعودية بشكلها الحديث والمتنوع. التاريخ شاهد على الإنجازات والمنجزات التي ليس هذا مكانها في المقالة. 

كانت فترة السبعينات والثمانينيات فترة ذهبية للمبدع بدر بن عبدالمحسن وكان النجاح مقترناً باسمه. وكان يهتم ويعتني بالشعراء الشباب ويوجههم وهم ينظرون له كرمز وقائد للمسيرة الشعرية السعودية الحديثة . ومن تواصله المستمر مع الشعراء أذكر أنني حضرت مناسبة أقامها الأخ والصديق والشاعر ماجد الشاوي على شرف البدر وبحضور كوكبة من شعراء تلك الفترة وكانت ليلة مفعمة بالشعر والأدب والسمو. ومما لفت نظري هو تواضعه الجم وقربه النفسي والروحي لكل من يكون حوله وكأن من يراه لأول مره يحس أن معرفتهم به ضاربة بعمق الزمن. وكان جمال روحه وصفاء نفسه يعادل في جلسته تلك الليلة روعة شعره وعمق ثقافته وأبوته الشعرية للشعراء الشباب.

وفي السنة التي قام فيها بكتابة أوبريت الجنادرية التقيت به صدفة في مطار القاهرة حيث كان ذاهباً لاستكمال أعمال الأوبريت أما أنا كنت في دورة تدريبية في مجال العمل وكان كما هي عادته في تواضعه وقربه من الناس فكان لطف الاستقبال واتكيت اللقاء في قمة مراحله مع أنني لا أعرفه ولايعرفني شخصياً إلا أنني فقط مواطن سعودي صدف أن يلقاه بدون موعد أو تخطيط . 

الكلام كثير عن بدر بن عبدالمحسن الشاعر والإنسان والمواطن الذي صنع لنفسه تاريخاً خالداً في الذود عن الوطن بكلماته التي كضرب السلاح ومن ذلك أغنية (فوق هام السحب) والتي تجيش النفوس الوطنية ويتراقص على كلماتها الجميع رغم مرور أكثر من 40 سنة .

إن حجم فاجعة فقدان بدر بن عبدالمحسن مشاهدة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي كلمات الكتاب فالكل يحس أن هذا الفقيد أخاه وهذه نعمة من الله للبدر فمن أحبه الناس أحبه الله .

رحم الله صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن وصادق العزاء لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولكافة الأسرة الملكية السعودية ولأبنائه وعائلته .


إنا لله وإنا إليه راجعون .


الأحد، 21 أبريل 2024

هل فناء العالم أصبح قريباً؟

 

حتمية فناء العالم على كوكب الأرض هو أمر له من الجزمية الشيء الكثير. وقد تطرق لذلك الكثير من الفلاسفة والعلماء وتم مناقشته منذ زمن بعيد ولقد أشار نبينا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام إلى ذلك منذ اكثر من 1400 سنة عندما أوضح بعض الأمور التي يدل ظهورها على اقتراب القيامة. ونحن كمسلمين نؤمن بذلك ونعتبر التصديق به من المسلمات وإن كان تحديد الوقت والزمان من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.


كما أن مفكري وعلماء البشرية من الثقافات والأديان الأخرى لهم مرئياتهم ونظرياتهم حول فناء العالم وقاموا بالتطرق إليه من منظور وقيم ومبادئ ونظريات مادية ولكنها تصب في النهاية إلى نتيجة واحدة وهي أنه لابد لهذا العالم القائم حالياً من نهاية وأن وقوع ذلك مؤكد ومعلوم وأما الكيفية فهي مجهولة. ولعل الفيلسوف الأمريكي الجنسية الياباني الأصل فوكوياما كان من أبرز من حاول تسليط الضوء على هذه المفاهيم وقدم بعد دراسات وأبحاث عديدة نظريتة المعروفة بنهاية التاريخ والتي أثارت زوبعة فكرية وحصلت على نقاشات كبيرة وكثيرة حولها من قبل الفلاسفة والمفكرين خلال فترة الثمانينات والتسعينات.


والحقيقة التي يمكن مشاهدتها ومتابعتها أن العالم وصل اليوم إلى مرحلة خطيرة وكثير من المؤشرات تدل على أن العد التنازلي للنهاية الحتمية ليست بعيدة إلا أن يبدل الله سبحانه وتعالى الحال إلى حال آخر تعود فيه البشرية إلى مسارها وقيمها الفاضلة التي سنها لها خالق هذا الكون.


إن واقع الحياة في عصرنا سواء كان ذلك على المستوى الدولي أو حتى على مستوى أصغر من خلايا الكون وهي العائلة تكاد تنطق وتصرخ خوفاً ورعباً من إنفلات كثير من جزئيات ومكونات العالم وانجرافها في طريق هلاكها وبالتالي هلاك العالم.


فعلى المستوى الدولي نجد أن الحروب إستعرت في كل مكان وأصبح التنافس محتداً لتطوير وإستخدام أسلحة الموت والدمار. وأصبح التهديد باستخدام الأسلحة النووية من قبل بعض قادة دول العالم يردد وكأن ذلك دعوة إلى نزهة في أحضان الطبيعة الخلابة. نعم نحن نعرف أن أسلحة الدمار كانت موجودة منذ سنين عديدة ولكنها كانت محصورة في أيدي دول معينة وكان إستخدامها يخضع لضوابط وإجراءات يغلب عليها شبه المنع من الاستخدام.


أما اليوم فقد فلت العقال وأصبح من هب ودب يسعى لبناء قوة نووية ويهدد بإستخدامها و"على عينك يا تاجر" لقد أصبح كابوس تهور قائد ما بضغط زر إنطلاق الأسلحة النووية رعباً حقيقاً يعيشه الناس البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة. بل أن خطورة هذا التسارع والتساهل في موضوع أسلحة الدمار الشامل أوصلها ليس لقادة دول يتوجس من سلوكهم ولكن لزعماء العصابات وتجار المخدرات فلا نعلم متى تقع الواقعة من هؤلاء المجانين والمهووسين بالسلطة والقوة التي لا يحكمها ضابط أخلاقي أو إجرائي. 


إن الصورة القائمة التي نراها على المستوى الدولي وخوفنا المبرر من واقعها الأليم يكاد يتضاعف إذا إنتقلنا إلى كارثة أخرى في المسيرة الإنسانية ألا وهي العائلة ودورها في كل ذلك. لقد أصبح مفهوم العائلة (وهو حصن مهم لبقاء البشرية) يتعرض لهجوم غير مسبوق لتفتيته والقضاء عليه إنطلاقنا من قناعة أهل الشر أنها حاضن لقوى الخير التي قد تضعف وتدمر غايات قوى الشر. إن تدمير مفهوم العائلة وتحجيم دورها أخذ بالتصاعد منذ سنوات عديدة مشاهد في كثير من المؤتمرات الدولية التي تتعرض إلى ضغوط من لوبيات المفاهيم السيئة حول مفهوم العائلة وشكلها ويتم ذلك بناء على خطط وبرامج مشبوهة وتآمريه لا تخفى على عين كل عاقل ومحب للخير. فلم يعد يعقد مؤتمر دولي إلا ويطرح فيه خزعبلات جديدة تحاول تنسف مفهوم العائلة ويتم تقديم مقترحات خطيرة وتأمل بوصول العالم إلى نقطة الفوضى، مما زاد الطين بله (كما يقال) ظهور عاملين خطيرين يساعدان في نحر مفهوم العائلة وتقليص دورها الإيجابي في البناء الإنساني الفاضل، هذان العاملان هما نشر المخدرات وتسميم السوشل ميديا وإيصالها إلى نقطة الفجور وهدم البيوت. وكل ذلك أدى مع الأسف إلى فقدان العائلة دورها المحوري وضياع مركزها في منظومة البناء البشري. طبعاً نحن هنا نتكلم عن التسارع بالانتشار وليس الهيمنة على الواقع. لقد أصبحت السوشل ميديا المسممة والمخدرات وجهي العملة التي استثمرها المفسدون في الأرض لإستخدامها لتسريع مسار البشرية إلى الفناء.


في عالم اليوم لم يعد غريباً أن يقوم شاب واقع تحت هلوسة المخدرات أو إدمان السوشل ميديا بقتل ناس أبرياء سواءً في مدرسة أو شارع أو جامعة أو مركز تسوق وبدم بارد دون وجود أي أسباب أو مبررات ما عدا حالة هذيان عقلي يمر به. بل أن قتل الوالدين والأقرباء أصبح نغمة لم تعد مستغربة خاصة في دول العالم التي بليت بإنتشار المخدرات وإدمان وسائل السوشل ميديا. فتخيل معي أخي القارئ العزيز لو أن هذا القاتل المهووس تأخرت مرحلة جنونه وأصبح في موقع يكون نتيجة قراره تدمير دول أو الكون بأكمله. إن هذه الظاهرة الخطيرة (والتي هي سبب و نتيجة في نفس الوقت) أخذت بالإزدياد مما يثير القلق على المستقبل الإنساني. فعلى سبيل المثال صدرت حديثاً دراسة في إحدى الدول المتقدمة أوضحت أن الأمراض النفسية (نتيجة المخدرات و السوشل ميديا) قد زادت في تلك الدولة خلال الفترة من عام 2000 إلى 2010 بمقدار %34. فياله من رقم مفزع وياله من مستقبل ترتعد منه الفرائص.

إن الأمر خطير ومستقبل البشرية يدخل في مرحلة خطرة إذا لم يتحد أهل الخير في كافة أرقاع الكرة الأرضية لتطوير مبادئ وأسس ملزمة تعيد الإنسان إلى طبيعته الخيرة ومحاربة ما يشوش على هذه المثالية الإنسانية وهذا أمر ليس صعباً متى ما وضع على أولوية قائمة المؤتمرات الدولية ولقاءات قادة العالم. 

إن السوداوية التي تطرقنا لها في هذا المقال لا تنبع من رفاهية الكتابة ولكن من خوف حقيقي على مستقبل العنصر البشرى. وختاماً ومع قناعتنا بخطورة المستقبل الإنسانى دولياً وفردياً فإننا كمسلمين مطالبين بالعمل الجاد لتصويب البوصلة وأقل ما يمكن ولو أنه كبير عند الله هو تكريس الدعاء لمستقبل زاهر ففي الأثر العظيم أن صدق الدعاء يصرف القضاء . 

اللهم نسألك أن تحفظنا بحفظك وأن تحفظ بلادنا وقادتنا الذين يبذلون الغالي والثمين لحفظ وصون هذا المجتمع ومحاربة كل آفات الشر والفساد. اللهم اهدي أبناءنا وإخواننا لطريق الحق المستقيم القائم على الشرع المطهر . اللهم احفظ عوائلنا من كل شر وقربهم من كل خير.

الاثنين، 15 يناير 2024

"أنا أفكر إذآ أنا موجود"

لعل الكثيرين يعرفون المقولة المشهورة التي أطلقها الفيلسوف الفرنسي المشهور ديكارت  والتي عنونا بها هذه المقاله والتي تلخص جزء كبيرآ من فلسفة ديكارت حيث توصل إلى أن قيمة الوجود الإنساني هي في قدرة الإنسان على التفكير السليم ومايحتاجه الوصول إلى ذلك من طرح الأسئلة وإستعراض الخيارات وترتيب الأولويات .فعندما يصل الإنسان إلى هذه المرحلة فقد أصبح وجوده ككائن حي حقيقة موجودة على الأرض.وحينما نتحدث عن الفكر كما طرحه ديكارت فإننا لا نتوقف عند ذلك فقط بل نأخذ لأبعاد أخرى ذات صلة من أهمها التفكر والذي نؤمن أنه جزء مهم ومكمل لما قصده ديكارت من مصطلح "أفكر" ولقد ورد ذلك في ديننا الإسلامي كثيرآ سواء كان في القرأن الكريم أو السنة المؤكده.وعليه فإن الفكر والتفكر هما قيمتان مهمتان وضروريتان لوجود وتواجد الإنسان وبهما يضع بصمته الخاصة في الحياة سواء كان على المستوى العام وشئون المجتمع الذي يعيش فيه أو كان ذلك على المستوى الخاص في الشئون الذاتية أو العائيليه.إنه ليسوؤني عندما أجد إنسانآ يرى ويؤمن بعدم حاجته للفكر والتفكر وينظر للحياة بإستسلام غريب بل يفاخر بأنه "مريح راسه"ينام ويستيقظ وكل همه ملء بطنه وكأن الله خلقه لذلك متناسيآ قيمته الإنسانية لتعمير الأرض والتي من شروطها الضرورية الفكر والتفكر وأدواتهما المؤدية لهما.

 إن هذه المقالة تدعو كل إنسان أن يضع أما عينيه ويرسخ في عقله لوحة تتضمن أهمية القيام بالفكر والتفكر بكافة شئون حياته وأن يرجع إلى هذه اللوحة كلما تاه أو أغرته مغريات بعض المصطلحات مثل "مشي حالك" أو "لاتعقدها" أو "ما أحد درى عنك" وغير ذلك من محبطات ينثرها إما الفارغين أو الفاسدين أو البلهاء .ومما لاشك فيه أن مصطلحي الفكر والتفكر لن تأتي هكذا دون عناء وبذل جهد . فإن مصطلح "أفكر" يتطلب إطلاع ووعي وثقافة و قراءة ما أنتجه الفكر البشري على مر السنين . كما أن الفكر يدخل في إطاره تمحيص وتحليل وإختبار ما وصل من الأخرين من نظريات وكتابات ومباديء وطرح الأسئلة الضرورية لفهم وإستيعاب النتاج الفكري للأخرين ووضعه على طاولة التشريح الفلسفي والمعرفي حتى يصل الإنسان لقناعة بما أمام يديه .إن شحذ خاصية الفكر لاتقتصر على المعطيات الكبيرة فقط بل أنها ذات علاقة حتى بأبسط أمور حياتك اليومية الخاصة. ولذا فإن خاصية الفكر التي ندعو لها تشمل الوعي العام بكافة جوانب الحياة وأمور الكون والعلاقات الدولية (ليس بتعمق بالضرورة) والسير بها تضييقآ حتى الوصول إلى ما يتعلق بالشخص ذاته سواء في مجال عمله أو أمور بيته وتربية أبنائه .

أما التفكر فأنا أخذه لبعد أخر لواقع الحياة الحديثة وأضعه في إطارما يسمى تجارب الأخرين ومحاكاة الجوانب الإيجابية منها والإبتعاد عن الجوانب السلبية . كما يدخل في جانب التفكر (المطالب به كل واحد) تجربة الصح والخطأ في إتخاذالقرارات وعدم الوقوع في الخطأ مرتين قدر الإمكان فمن لايتعلم من أخطاءه فقد أهمل قيمته الإنسانية القائمة على الفكر والتفكر.

إنها دعوة صادقة مخلصة للفكر والتفكر وبذل الجهد لتحقيقهما من قبلنا جميعآ في كافة أمورنا العامة والخاصة بهدف تحقيق طموحاتنا لبناء مجتمع متقدم يحقق طموحات قادة هذه البلاد ويكون عونآ في الوصول لأهداف رؤية 2030. الموضوع ليس صعبآ ولا مستحيلآ ولكنه يحتاج إلى وقفة ومراجعة من كل واحد فينا والإتكال على الله لتحقيق إنسانيتنا بإعمال العقل وتغذيته بالعلم والإطلاع ومعرفة تجارب الأخرين والإستفادة منها .


الاثنين، 4 ديسمبر 2023

إكسبو 2030 سعوديآ بإمتياز

 لم تعد شعوب العالم بصفة عامه والشعب السعودي بصفة خاصة يستغرب أو يتفأجأ بما تقوم به القيادة السعودية من نجاحات في إستقطاب أنشطة وفعاليات دولية وبما يشبه المعجزات في إقناع متخذي القرار الدوليين وضمان تصويتهم المبنية على الإنبهار من قبلهم بما يطرح أمامهم من ملفات مكتملة ومتكاملة وعلى مقولة أخواننا وأحبائنا المصريين "ماتخرش الميه"حتى لم يعد أمام هولاء متخذي القرار إلا الموافقة فالحق أحق أن يتبع وهو نور أبلج.ولعل أجمل وصف لما يتم في المحافل الدولية ماقاله أحد الإعلاميين بأن المارد السعودي قد خرج من قوقعته ولن يستطيع أحد إيقافه.نحن اليوم أمام واقع جديد لايعرف المستحيل ولا  يؤمن بالتأجيل فما نراه مناسبآ ومتاحآ فيجب أن يكون هدفآ مشروعآ للمنافسة مع الأخرين وبذل كل الجهد والإمكانيات للظفر به .إنني كمواطن سعودي لاأجد الكلمات المناسبة والكافية التي أرفعها لبطل المرحلة وقائد التحديث وعراب الرؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء فقد تجاوز وبمراحل ماكان يحلم به المهتمين بالتنمية السعودية وأصبحنا غير قادرين على مجاراة القرارات والتطورات وأصبحت الكتابات السابقة التي ندعو فيه للتحديث ماضيآ قد تجاوزه الزمن فإكتفى الكثيرين بالمتابعة تملؤهم الغبطة والفرح والإمتنان.في بدايات إنطلاقة أفكار الرؤية كان هنالك بعض المشككين بأن الأفكار المطروحة تحتاج لسنوات طويلة لتحقيقها والبعض إستشهد بدول أخرى حاولت وكانت حقيقة القدرة على التغيير أقوى منهم .... إلخ من كلام مجالس و فذلكات حكواتيه ولكن الأمير محمد كان واثقآ من قدرته وإمكانات بلده وعزم وشجاعة رجاله وكانت تطبخ في أروقة القرار فلسفات إدارية جديده وتجهز قيادات مختلفة لمرحلة كان يراها سموه قربية ويراه الكثيرون إما بعيدة أو مستحيله .وبعد فترة قصيرة من ظهور سموه الإعلامي للتمهيد للمرحلة التنموية القادمة بدأت تهل على السعودية المبادرات والمؤتمرات والشراكات والعقود الإستثمارية حتى أصبح مرور أسبوع دون وجود جهد تنموي على أرض المملكة غير موجود .وحيث أن المجال في هذه المقالة هو ليس سرد ذلك وليس هذا مكانه فإننا مضطرين لتجاوزه على الرغم من أهميته والإكتفاء بحدث إكسبو 2030 الذي كان حلمآ بعيدآ لأسباب عدة أقلها قصر المدة الباقية والمنافسة الشرسة مع دولتين لهما تاريخهما وباعهما الذي قد يعطيهما ميزة نسبية وهما ايطاليا وكوريا الجنوبيه. ولكن (وكما أشرنا سابقآ عن شخصية القائد الفذ الأمير محمد) لم يلتفت لذلك وأطلق فريقه المميز ليجول العالم ويكسب النقاط في سباق التصويت حتى حانت لحظة الحقيقة في باريس وكانت النتيجة 119 صوتآ وبشكل أذهل الجميع فلا تنافس ولاحاجة للتصويت مرة أخرى . لقد كان سرعة قبول الملف السعودي ووصوله لخط النهاية مشابهآ لسرعة العداء الجاميكي بولت في سباقات المائة متر عندما كان يصل لخط النهاية وهو يتلفت للمنافسين ويرى كم المسافة بينه وبينهم وليس من كان سينافسه. لقد كان وقت التصويت نجاح مهول وبرهان جديد على رؤية وكفاءة القياده وأن لامستحيل أمامها . لقد خرست الألسن الحاقدة والتي كانت تنتظر لعل وعسى حتى تخرج فحيحها وتحد أنيابها ولكن قدرة الله أكبر من مكرهم وحقدهم. وعليهم أن يستعدوا إلى المزيد من الصدمات والإحباطات مادام ما يحركهم هو الحقد والكره .نعم نحن كسعوديين نعرف قادتنا ونثق في رؤيتهم ونحن نعيش اليوم بواقع مبهر مزهر وننتظر مستقبلآ أكثر إشراقآ وإزدهارا. اليوم صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان لايحقق طموحات وأحلام الشباب ولكنه يعوض مافات على جيل الطيبين و"الزمن الجميل" ويقدم لهم على طبق من ذهب نموذجآ حياتيآ كان عند أكثرهم ضمن الأحلام شبه المستحيله . يالهذا القائد الذي عزم فنفذ وفكر فأبدع وتوكل على الله ثم شعبه فكان حديث العالم فأسعد المحبين وأغاظ الكارهين.

ومع أن الظاهر للكثيرين من إستضافة إكسبو هو الجانب السياسي والإداري ولكن ذلك ماهو إلا رأس الجبل الثلجي كما يقال فالأبعاد الإقتصادية والتنمويه والثقافية ستكون خارج الفكر التقليدي ومن يعطه الله عمرآ حتى 2030 سيعيش في فنتازيا تنمويه تفوق الخيال وتقدم خارطة طريق جديدة للبشرية في العقود الزمنية المقبلة بما سيحتويه من تقنيات وإختراعات ومسارات سيكون نفعها للعالم أجمع ونحن كسعوديين شركاء في ذلك النفع المادي المتوقع إضافة إلى فضيلة الإنتاج والإدارة والتمكين لهذه الخيرات القادمة.

فخور أنا بوطني وسعيد وممتن لقيادتي بصفة عامه أما صاحب السمو الملكي الأميرمحمد بن سلمان حفظه الله فلم تعد هنالك أي كلمات تفيه حقه وأقل ما نقدمه له هو الدعاء الصادق بأن يوفقه الله ويمد في عمره فقد وضعنا في موقع أخر بين دول العالم . 

دام عز المملكة العربية السعودية ومن نجاح إلى أخر ومن إبهار إلى أكثر إبهارآ والشكر والحمد لرب العالمين " وما لأحد منه الله اللي عزنا ما لأحد منه".

الخميس، 30 نوفمبر 2023

بناء شرق أوسط جديد

تمر منطقة الشرق الأوسط حاليآ بحراك كبير وتجاذبات دولية غير مسبوقه كان فتيل إشعال نارها هو مايحصل في غزه حيث أختلط الحابل بالنابل وكل حرك قواه الصلبة والناعمة لفرض مصالحه على أرض الواقع.ولذا عاد مرة أخرى مصطلح الشرق الأوسط الجديد واحتل صدارة وسائل الإعلام والكل يقول "الحل عندي وانا أبو هندي" حتى أن البعض من خارج المنظومة العربية أقترح أن يشارك في إدارة غزه بعد توقف أتون النار والحرب وكأن الأرض العربية لقمة سائغة حان وقت أكلها فلم تعد سوريا ولبنان والعراق واليمن تشبع نهمهم . ومما لاشك فيه ان أكثرنا يتكرر على مسامعه منذ سنوات مصطلح بناء شرق أوسط جديد  وكان يردد و يتردد وينطلق غالبآ من جهات قريبة من متخذي القرار في واشنطن على وجه الخصوص وبدرجة أقل في لندن وتل أبيب و بعض الدول التي تدور في فلكها . طبعاً هذا المصطلح يقوم على فكرة مبنية على مبدأ إستراتيجي(حسب قناعتي) يهدف ويسعى (بجانب المصالح للدول الكبرى ) لضمان  بقاء إسرائيل والمحافظة على مصالحها وتقزيم أو إنهاء القوى ذات الاتجاه المخالف لذلك . سنوات طويلة ونحن نسمع ذلك حيث يتم تبرير ما يحصل من أحداث في المنطقة من حروب أو قلاقل أو تغيرات إجبارية بإن ذلك يتمشى مع هدف إنشاء الشرق الأوسط الجديد .

هذه الفكرة الحائمة في سماء الشرق الأوسط تشهد تجاذباً بين من يصدقها وبين من يكذبها ويرى أنها بعبعاً تم خلقه لهزيمة شعوب ودول المنطقة نفسياً وتصويرهم بالمهددين والعاجزين عن إدارة مستقبلهم في ضوء قناعاتهم ومصالحهم . ولذا فقد أصبح الوقت مناسبآ  بأن نكون واضحين بخصوص مصالح المنطقة من منظور ذاتي بعيداً عن توجهات وتوجيهات القوى العظمى فأي فذلكات أخرى غير المصالح هي رتوش وديكورات للتجميل. ولذا  فإن استغراب البعض من تبدل مواقف الدول وتحولها من شرق إلى غرب أو العكس ليس في محله وغير واقعي لفهم العلاقات الدولية . إن إنتقال علاقة بين دولتين من حرب إلى سلم ثم صداقة أو العكس هو ممارسة مستمرة والتاريخ مليئ بالشواهد على ذلك فاليابان على سبيل المثال كانت عدواً لأمريكا في الحرب العالمية الثانية بينما هي اليوم حليف مقرب وروسيا كانت حليفة لبريطانيا وفرنسا أثناء إتحادهم ضد النازية بقيادة هتلر زعيم ألمانيا بينما هم اليوم في حالة حرب ظاهرة . وزبدة الموضوع أن لاصداقات دائمة ولا عداوات دائمة بين الدول وإنما مصالح تتوافق وتتقاطع وتتعارض ومنها ما يصل إلى العتب أو حتى القطيعة. ويجب أن نعلم كذلك بأن الدول العظمى كثيراً ما تقوم في سبيل تحقيق مصالحها بممارسة أدوات الضغط لإيقاف الدول النامية من ممارسة حقها بالبحث عن مصالحها وذلك باستخدام أساليب متعددة من أهمها إثارة القلاقل أو استخدام المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني وما يتبعها من وسائل إعلام لإرهاب أي دولة تحاول أن تقف في وجه الدول العظمى الغربية ووضعها تحت الضغط المعنوي . إن هذا الاسلوب وهو ما يمكن تسميته اسلوب التشتيت الذهني الذي يقوم على إعداد تقارير وهمية تحت مسمى حقوق الإنسان أو حرية الإعلام أو فبركة التهم وإلصاقها في قادة قادة دول العالم الثالث وكل ذلك بهدف خلق البلبلة وإيجاد الفجوة بين القيادات وقواعدها الشعبية . وهذا أمر نراه كل يوم لقادة كثير من دول العالم في أمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا . وقد يقول قائل إذا كانت هذه الإدعاءات غير صحيحة فكيف تحقق أهدافها وهنا نقول أن استخدام التكثيف الإعلامي وغسل المخ وتهيئة العقلية المستقبلة لمثل ذلك ليس أمراً صعباً أو جديداً ولعل أهم مقولة يمكن الإستشهاد بها هو ما كان يردده وزير الإعلام النازي الشهير جوبلز (إكذب ثم إكذب ثم إكذب حتى يصدقك الناس ).

وعليه فإن موضوع بناء الشرق الأوسط الجديد واختلاف الآراء حوله وبصرف النظر عن مدى القناعة بأي الرأيين حول صحته وكذبه واللذين أشرنا لهما في بداية المقالة إلا أن تكراره كمصطلح سياسي وتواجده في الدراسات والأبحاث والندوات يجعلنا نتسأل لماذا لا نسبح مع التيار ونأخذه كمصطلح ممكن تكييفه ونسجه بنكهة إقليمية. وإذا اتفقنا على القبول بذلك فإن السؤال الآخر المهم هو هل تتوفر العناصر والإمكانات لإنتاج شرق أوسط جديد بخلطة ونكهة مختلفه عن ماهو مطروح ؟ الجواب نعم كبيره ولا إختلاف حول ذلك.

أعتقد جازماً أن مثل هذه الأفكار العامة لها وجودها عند الجهات المهتمة بالفكر الإستراتيجي وأنها تعمل عليها بطريقة أو أخرى أو حتى على الأقل تأخذ زوايا معينة محدودة وتعمل على تطويرما يصلح منها للمرحلة  .

مما لاشك فيه أن عالم اليوم الجيوسياسي يشهد تموضعاً جديداً يعاد فيه توزيع النفوذ وإقتسام الأرض والموارد وكأنه يتم بناء يالطا جديدة حيث لم تعد إتفاقية يالطا القديمة كافية لإرضاء نهم وحاجة أصحابها.

كما أن هنالك قوى جديدة بدأت التحرك على الأرض لإيجاد موطئ قدم لها في العالم الجديد الذي بدأت فصول رسمه بما يسمى الحرب الروسية الأوكرانية . إن هذا المسار العالمي الجديد سيستمر لسنوات حتى تكتمل ملامحه مهما قيل من إيقاف أو هدنات مؤقتة فقطار التغيير الدولي إنطلق ولا أحد يعلم متى يصل إلى محطته الأخيرة ولكن من السذاجة النظر إليه بنظرة قاصرة من أن ذلك حادث عرضي ومؤقت . فالحقيقة أن إرهاصاته لها سنوات سابقة وستستمر لسنوات قادمة حتى يتم الوصول إلى عالم جديد يرضي الشركاء ويشبع نهمهم للهيمنة والسيطرة الدولية ، وأرجو أن لا يقلل أحد من هذا الكلام ويراه ترهات وردات فعل لما يحصل ولكنني مقتنع بأن الزمن سوف يؤكد ذلك  وإن غداً لناظره لقريب . ولا شك أن العالم قد يشهد قريباً الكثير من الإنهيارات السياسية والإقتصادية خاصةً في دول العالم النامي إذا لم تتحرك لتفادي ذلك.

وبالعودة إلى فكرة هذا المقال وهي هل هنالك إمكانية لإنتاج شرق أوسط جديد بأدوات ومعطيات محلية\إقليميه ؟ الجواب نعم ولكن لابد من البدء بتجهيز الموارد الفكرية والبشرية والبحثية لرسمه ومواجهة العقبات وإيجاد الحلول لها . إن أهمية البدء حالياً هو خطوة إستباقية ضرورية ستكون عنصراً هاماً لتقليل التكاليف وتعظيم الفوائد فالمثل الشعبي يقول "من سبق لبق" والأمر لا يحتاج إلى كثير من الذكاء لمعرفة ما سيتم في العالم خلال السنوات القادمة فإما أن تكون متبوعاً أو تابعاً .

إن الحراك على خريطة السياسة الدولية يحتم على ذوي الإرادة العمل على رسم شرق أوسط جديد لا يخضع لمعايير ومواصفات المجتمع الغربي ولكنه نابع من العمل عليه كمنتج محلي يتم صناعته وإدارته بفكر وإدارة جديدة وهي متوفرة ولله الحمد.

إن شرقآ أوسطيآ جديدآ كمنتج محلي قد يكون ثمنه عالياً في البداية ولكنه أمر لابد منه فعدم القيام بذلك يرفع التكلفة ويجعل الثمن أضعاف مضاعفة عندما يتم إستيراده أو فرضه .

إن حساسية هذا الموضوع وصعوبة طرح كافة مكوناته في العلن يجعل في الفم ماء ومن ذا الذي يستطيع الكلام وفي فيه ماء . ولكن نبتة الفكرة وجذورها واضحة وواقعية وهي جاهزة لتكون محل دراسة وتطوير عند المهتمين بالفكر الإستراتيجي.

وعلى الجميع الإيمان بأنه " إذا فات الفوت ما ينفع الصوت " .

ولاشك أن مثل فكرة الشرق الأوسط الجديد المستهدف لابد أن يرتكز على أسس ومبادئ عديدة منها (حسب فهمي البسيط) :

1- إعادة النظر في أسس العلاقات الدولية وتحديثها بما يتناسب مع الهدف المنشود.

2- تطوير الممارسة للجغرافيا السياسية الإقليمية .

3- تقييم الدوائر الإقليمية الجامعة للدول في المنطقة وتقييمها والإستغناء عن ما هو غير ضروري ومفيد للمستقبل الدولي الذي سيحكم العالم .

 وبالله التوفيق.


الاثنين، 9 أكتوبر 2023

عبقري السياسة والسياسي العبقري الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز

هنالك أشخاص في المسيرة الإنسانية تظهر كومضات ساطعة ونادرة تضع بصمتها وتترك تأثيرها في الحياة البشرية وتمضي في طريقها مما يجعلها كنزاً تاريخياً يعمر لأجيال مستمرة على مر الزمن. ومن تفرد وتميز هذه النوعية من الأشخاص أن ما يطرحونه من أفكار وقراءآت للمستقبل تظهر مرة أخرى عند وقوع الأحداث أو الأزمات وكأن ذلك كتاباً مفتوحاً .  

 ومن هؤلاء النوادر صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز الوجه السياسي البارز والمعروف على المستوى العالمي والمحلي حيث كان بؤرة الضوء التي تدور حولها فراشات الإعلام خلال الثلاثين السنة الماضية نظراً لتأثيره وأثره الواضح في العلاقات الدولية والاستراتيجيات السياسية التي قادت سفينة الفكر السياسي وإدارة الأزمات الدولية. ومما لاشك فيه (وهذا من وجهة نظر مراقب بسيط و قارئ للأحداث) أن تميز سمو الأمير بندر بن سلطان لم يكن فقط نتيجة تعلم وقراءة وخبرات مكتسبة ولكن هنالك صفات ومكونات ذاتية حباها الله له استثمرها وزاد من فعاليتها بما كسبه من تعليم وتجربة فأوجدت النموذج النادر الذي عرفه ويعرفه الجميع وتتصف به شخصية سموه.

الكل يعلم أنه سموه متحدث ومحاور بارع وعنده قدرة كبيرة لإستشراف الأمور فهو في رأيي من مدرسة مايعرف بالاستشراف الاستراتيجي (Futuristic strategies) والتي هي أعلى مراحل الفكر الإستراتيجي في عالم اليوم الحديث التي تتفوق وبمراحل على المدرسة الفكرية المعروفة والشائعة بين الناس والتي تعرف بمدرسة الدراسات الاستشرافية (Futuristic studies) .

ومن أهم مميزات صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان أنه متحدث بارع يصل بحديثه إلى الهدف المنشود وهو الإقناع ولكن بذكاء وإسترسال ذكي وبسيط دون صدام أو إثارة الطرف الآخر. إنه أسلوب الذكاء البارع لإصطياد الغنيمة وتحقيق الهدف أو مايعرف بثقافتنا الشعبية بغارات الذئب وكلنا يعرف أن الذئب لا يهرول عبثاً.

ومن حصل له شرف الإلتقاء بسموه أو تابع إنجازاته ومسيرته العملية أو لقاءاته الإعلامية يستنتج أن من أهم أساليب إدارته للأزمات والمشاكل التي يتبعها هو ما يعرف بطريقة التفكيك للأزمة وتحويلها إلى أجزاء ومن ثم وضع حلول لهذه الأجزاء وإعادة تركيبها مرة أخرى فإذا الجميع أمام حل شامل لم يكن يدور في الذهن أو أنه كان صعب التحقيق لو أخذت المشكلة ككتلة واحدة. طبعاً قد يظن أو يعتقد البعض ان هذا أمر سهل يمكن تطبيقه ولكن من الممارسة الحياتية فإن تحديد حجم الأجزاء المراد دراستها من المشكلة يتطلب كفاءة وقدرة وخبرة ووعي وهي ما يميز شخص عن آخر ولاينجح بذلك إلا القليل من الناس.

صفة أو تميز آخر لاحظته في سمو الأمير بندر (كغيره من النوابغ والنادرين) هو قربه من ذهنية الكثيرين فهو مطبوع في عقولهم حتى لو لم يحتكوا به أو يعرفوه عن قرب ويكون ذلك نتيجة صورة ذهنية رسخت في العقل الباطن للمتلقي. ولعلي من هذه المجموعة التي انغرس في عقلها صورة الدبلوماسي البارع والذكي لسموه حيث لا يفارق مخيلتي الصورة الفوتوغرافية التي انتشرت في الثمانينات الميلادية وسموه يجلس على طرف الكنبة التي يجلس عليها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بوش وبشكل نادر في بروتوكولات الرؤساء (ومن يريد أن يرى بالعين ما ذكرته فليبحث في المواقع وسيجدها) مما خلق عندي منذ ذلك الوقت انطباعاً يتمثل في مدى تمكن وترابط واستراتيجية العلاقات بين السعودية وأمريكا وأن سموه قادر على إدارة أي ملف دبلوماسي أو إستراتيجي سواء على مستوى العلاقات بين الدولتين أو المجال الأوسع في إدارة ملف العلاقات الدولية والمصالح المشتركة في التأثير العالمي. طبعاً أنا ليس لدي إطلاع كبير على منجزات سموه الكثيرة والمتعددة ولكن ما عرفته من مقابلته في قناة العربية أوضح قدرته الكبيرة والعجيبة وكفاءته النادرة في تفكيك أصعب المواقف مثل قضية لوكربي أو الملف العراقي أو القضية الفلسطينية وغير ذلك كثير. وكذلك مدى أهميته في مجالات العلاقات الدولية الإستراتيجية.

ولعل هذه المعلومات البسيطة عندي وعند عامة الناس هي ما يدفعني إلى إقتراح بأن تنتهز أي وسيلة إعلامية ناجحة الفرصة بإعداد برنامج حواري يتناسب مع نوعية سموه من الرجال ويكون البرنامج على أجزاء متعددة. ومثل هذا البرنامج لاشك أنه يحتاج إلى  محاور متمكن يسانده فريق إعداد متخصص ومتميز بحيث يستخرجون من هذه اللقاءات كنوز المعرفة الفكرية والوقائع الحقيقية والتجارب الشخصية. فمثل هذا الجهد لو تحقق فإنه سيكون ثروة فكرية ومعرفية للأجيال وسجلاً صادقاً دون تزييف لتاريخ إنساني لانعرف منه إلا النذر اليسير (كما يقال رأس الجبل الثلجي). فهل تبادر المؤسسات الإعلامية وبسرعة لإنجاز ذلك أما أن نمارس التكاسل والتهاون فيؤدي ذلك إلى ضياع جزء من تاريخنا الثقافي والمعرفي ودورنا الريادي في الأزمات الدولية.

ونظراً لما تشهده مؤسسات الإعلام السعودي من تطوير في الأونه الأخيرة والتي كان آخرها إطلاق وزير الإعلام قناة "السعودية الآن" فإنني أمل أن يسبقوا الآخرين بتنفيذ مقترح البرنامج الحواري مع صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز. فلو تمكنوا و نجحوا بذلك فإنها ستكون ضربة معلم للإعلام السعودي الحديث والمحدث بما يتناسب مع تطوير وتحديث المجتمع السعودي والذي يقوده عراب الرؤية وقائد التنمية وملهم الشباب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.

أخيراً ارجو ألا نقع في دوامة الأفكار البالية والتي يقودها المثل العامي " زامر الحي لايطرب " وبالله التوفيق


السبت، 16 سبتمبر 2023

احتفلوا واحتفوا وافرحوا ب ٢٣ سبتمبر فالفخر الوطني ليس عيبًا ولا حراما ً ولا عنصريًا.

 تمارس كافة شعوب العالم سلوكيات ومظاهر تعكس اعتزازها وفخرها بأوطانها. ويأخذ ذلك أشكالاً متعددة لعل من أهمها الاحتفال باليوم الوطني وإعطائه ما يستحق من إهتمام ليس لذات اليوم ولكن لما يرمز له من إعتزاز وإفتخار وشكر للوطن بكافة ارجاءه وبجميع ساكنيه. وهذا الأمر لا يقتصر على الدول الكبيرة او الصغيرة أو الدول العظمى او الدول النامية فكل يرى في يومه الوطني شي مميز وعظيم يستحق الإشادة والاحتفال. وإذا أخذنا الولايات المتحدة الأمريكية (وهي أعظم دول العالم) كمثال فإننا نجد أن 4 يوليو من كل عام له خصوصيته عند المواطنين الأمريكيين(  بل حتى ساكني أمريكا ولو بصفة مؤقته) فنجد الأعلام ترفرف على مداخل المباني والمحلات ، والاحتفالات بالالعاب النارية تتم في الحدائق والأماكن المفتوحة ووصل الأمر بقوة الإعلام الأمريكي إلى اعتبار ٤ يوليو شبه مناسبة دولية. إن كان  هذا في أمريكا وهي القارة الكبيرة مساحة و المتعددة اجناساً فما بالك بأهمية ذلك للمجتمعات الأكثر انسجاما والأقرب مكاناً لبعضها 

‏والشعور الوطني وحب الوطن هو أمر محمود وبل إنه يصل إلى الواجب ولعلي في هذا المجال استذكر سلوكيات حب بعض الشعوب لأوطانها بحيث يمثل ذلك لديهم خط احمر لا يمكن المساس به. فإخواننا المصريين على سبيل المثال وحسب احتكاكي بهم يمثلون نموذجاً فريداً بل متطرفاً في حب مصر.  فيندر أن تجد مصرياً سواء كان دكتوراً في الجامعة أو عامل بناء( مع احترامي للمهن) لا يكون صوتاً قوياً في الدفاع عن مصر فلو جرب أي أحد المساس بمصر فسيواجه بصوت مجلجل يدافع عن مصر مهما كان عدم رضاه عن بعض الجوانب الحياتية في بلده ولكنه لا يرضى أن يمس اسم مصر أو يقلل من شأنها. هذا مثال واضح وقريب حتى يعكس ما ندعو له من حب الوطن الذود عنه و الاحتفاء والاحتفال به فلا قيمة ولا كرامة للإنسان بدون وطنه. إن الوطن هو إكسير الحياة الذي يجعلنا نعيش ما كتب الله لنا من سنوات عمر هي محدودة مهما طالت.

 إن الاحتفال باليوم الوطني لأي دولة لا يقتصر على جزء من العالم عن الآخر فهو موجود في غرب الكرة الأرضية كما هو موجود في شرقها. وهو رمز لدول شمال القارة مثل ما هو لدول جنوبها بل إن أهمية اليوم الوطني لدول العالم لم يعد يقتصر على الاحتفالات و الرسميات داخل حدود الوطن بل إن مظاهره تنتشر في كافة ارجاء العالم عن طريق سفارات الدول التي تفتح أبوابها في ذلك اليوم وتبرز يومها الوطني بما يناسب الظروف التي هي موجودة فيها. 

‏كل هذه المقدمة أعلاه هي من باب تأكيد المؤكد وهي فاتحة لموضوع هذه المقالة الخاصة بيومنا الوطني في 23 سبتمبر أعاده الله كل عام على بلادنا وهي تنعم بالأمن والأمان والخير الوفير. نحن على مقربة من 23 سبتمبر للعام 2023 والذي سيحل يوم السبت القادم. ومن المؤكد كما هي العادة السنوية سيعم الفرح والسرور كافة أرجاء الوطن وستقام الاحتفالات والمناسبات تخليداً و وفاءً لمن أسس هذا الكيان العظيم وشكراً وعرفاناً لقادة الوطن على مر العصور ولابنائه المخلصين اللذين وحدوا الجهود لإكمال البناء ووضع اسم المملكة العربية السعودية في الموقع والمقام العالي بين دول الكرة الأرضية حيث لا يرد اسمها إلا و يتبادر إلى الذهن الخير و الأخيار والأماكن المقدسة ونعيم العيش والحياة الكريمة لساكني الوطن لا فرق بين كبيرا أو صغيرا ولا تميز حسب الجنس أو الدين فالكل سواسية في أخذ نصيبهم من السعادة والهناء متى ما كان ملتزماً ومحافظً و متبعاً للأنظمة محترماً خصوصية الوطن وثقافته وقيمه. إن يوم 23 سبتمبر مناسبة طيبة لكل فرد (مواطنا او وافدا ) أن يعبر عن وفاءه وحبه لهذه البلاد و بأن يحتفل و يفرح بالشكل المناسب الذي لا يضر الآخرين و يسيء إليهم. فلنحتفل جميعاً بيومنا الوطني و بالطريقة التي تعجبنا و تناسبنا. فمن أراد المشاركة في الاحتفالات العامة فهذا باب مفتوح و أمر جيد ومن أراد أن يحتفل في بيته او استراحته ‏فخير على خير. المهم أن نعي جميعاً أهمية الوطن وقيمته و أن نغرس في الاجيال القادمة حب الوطن والفخر به. إن من واجب كل واحد فينا أن يوصل المعلومة لابنائه أن وطنه هو وطن كبير متنوع فهو وطن واحد لا ميزه لأحد على أحد انه وطن يحده من الشمال حقل و القريات وطريف وعرعر حتى الوصول إلى جنوبه في جيزان ونجران و الوديعة والخرخير.
‏انه الوطن الذي تقع على الخليج العربي درره من رأس الخير إلى الأحساء و الخبر و الدمام والقطيف والجبيل والخفجي بينما تتراقص مدنه الأخرى على شواطئ البحر الأحمر مثل ضباء وأملج وينبع وجده والقنفدة والليث وغيرها. إن من واجبنا كمواطنين أن نغرس في أبنائنا أن كل مدينة او قرية في الكيان الكبير هي مدينته او قريته. وأن أهل هذه المدن والقرى هم أهله. المواطنة الحقيقية والاحتفالية السامية في اليوم الوطني هو معرفة انه بريدة وشقراء والمجمعه والرس و الدوادمي والافلاج ووادي الدواسر وحائل وتبوك والباحة وأبها وتربة وبيشة و تثليث… الخ هي شبكة مترابطة ومتكاملة بمكوناتها وساكنيها يجمعهم الكيان الكبير: المملكة العربية السعودية. 
إن كل مدينة او قرية في الكيان الكبير هي أرضي و موطني وكل ساكن فيها هو أخي وشريكي في الحياة يسرني ما يسره و يزعجني ما يزعجه. هذا هو الاحتفال الحقيقي في الوطن ويومه المحدد في 23 سبتمبر وهذا الواقع يمكن لكل واحد منا ان يعبر رمزياً عنه باحتفال بسيط يبدأ من عائلته بأن يفرح اطفاله بذلك ويلبسهم ما يشعرهم باليوم الوطني ويجعلهم يحملون علمه الخفاق ولا مانع (حسب الظروف) من عشاء بسيط يجمع العائلة او الاصدقاء او حفلة شاي يتوسطها "كيكة" فيها رمزية الاحتفاء. حفظ الله الوطن وأمد في عمر قائده خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز وأطال الله عمر القائد الملهم ورائد المرحلة الجديدة للمملكة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد الأمين. 
دامت افراحك يا وطن وكل عام وأنت في أعلى المواقع ومقصد الخير وموطن السعادة والحياة الكريمة.

الثلاثاء، 5 سبتمبر 2023

الحاجة إلى هدنة بين الأفعال والأقوال

 الحاجة إلى هدنة بين الأفعال والأقوال

قبل عدة سنوات كتبت مقالاً في جريدة الاقتصادية بعنوان («سوف» و«سا» ومسيرة البناء) تتمحور فكرته على المبالغة في إصدار الوعود المستقبلية التي لاتبنى على معطيات تدعمها وإنما يطغى عليها البريق الإعلامي. واليوم أعود إلى جوهر الموضوع ولكن من زاوية عملية تتناسب مع مرحلة التطور في المملكة القائمة على رؤية 2030 حتى نحقق الأهداف السامية للرؤية وموقع المملكة في مرحلة جديدة تكون أقرب ما تكون لمجموعة دول العالم المتقدم Developed) countries) والبعد عن مجموعة الدول النامية Developing) countries) فإن ذلك يتطلب فكراً تنفيذياً جديداً يقوم على الأفعال لا الأقوال . والأمر المطلوب بكل بساطة من القادة التنمويين في القطاعين العام والخاص هو الإقتداء بقائد التنمية الأول صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز والذي طبق عملياً مبدأ الفعل أهم من القول . فعندما رسم وقرر وضع الرؤية المباركة لم يصدر التصريحات وإنما شكل فرق العمل وأدارها حتى نضج كل شيء ثم قال للآخرين انظروا بأنفسكم ماذا نريد وكيف نحققه . بل أنه حفظه الله دعا واجتمع بالكثيرين وسمع مرئياتهم واقتراحاتهم (وهذا سجل تاريخي لو أخرج للعامة إعلامياً لكان مثالاً رائعاً ومميزاً للإدارة العليا وكفاءتها وأسلوبها في اتخاذ القرار).

اليوم المملكة في مرحلة أخرى في طريق التنمية وسكانها جيل جديد متنور يغلب عليه الكفاءة والمنهجية العلمية الواعية التي تتعامل مع الأرقام و تدرسها وتحللها. إنه جيل شاب يعتمد عليه بعد الله عراب التنمية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لواقع جديد مأمول وقد كرر حفظه الله في أكثر من منبر إعلامي ثقته في أبناء الوطن وشبههم بجبل طويق إعزازاً وتقديراً لما يتوقعه منهم في المرحلة القادمة . إن عام 2030 ليس ببعيد فبيننا وبينه حوالي سبع سنوات وهذا يلقي عبء على عاتق الجميع لشد المئزر والعمل بكامل الطاقة والقدرة لضمان الوصول إلى 2030 وقد وصلنا إلى الهدف المنشود. ولذا فلم يعد مقبولاً أن يركن بعض القيادين التنفيذين على الأسلوب القديم بإطلاق الوعود الفضفاضة . بل أن هذا الإسلوب له انعكاسات سلبية على الجميع وليس هم فقط. 


إن واقع التنمية اليوم للمملكة وما وصلت إليه في طريق تحقيق رؤية 2030 يحتاج في رأيي لثورة إدارية من القيادات التنفيذية وإلتزاماً منهم بأن يقدموا الفعل على القول بل أنني أقترح بأن نؤجل الأقوال ونتعامل مع الأفعال فقط. وإنني أدعو إلى هدنة بين طرفي الحرب القول والفعل بحيث يحتفظ فريق الأقوال بقواتهم "الكلامية"  و يضعوها في مخازن مغلقة و يفسحوا المجال لفريق الأفعال ليعملوا ويدفعوا التنمية في المملكة إلى هدف 2030. إن القادة التنفيذيين المطلوبين اليوم هم من النوعية التي تخاطب العقل وتركز على العلم والتجربة فجيل اليوم مثلاً يعرف ويعي معنى الطاقة الاستيعابية للإقتصاد الوطني ولذا عندما يطرح قائد تنفيذياً أرقاماً خارج المعقول فلن يصدقها ويقبلها أحد  وبالتالي تكثر الإنحرافات في المسيرة التنموية . وعلى سبيل المثال لو صرح قائد تنفيذي أن مشروعاً أو برنامجاً سوف يوفر مليون فرصة عمل فإنه بلا شك قائد غير مهني لأن هنالك مايعرف بقدرات الإقتصاد على إيجاد الوظائف (أو مايعرف بتوليد الوظائف) والتي لايمكن بأي حال من الأحوال أن يصل إلى هذا الرقم من كافة البرامج والمشاريع فكيف ببرنامج أو مشروع واحد!  وعلى ذلك فقس كافة الجوانب الأخرى من الطاقة الاستيعابية للإقتصاد الوطني .

لذا فإن الوقت أصبح ضرورياً لأن نسمع من القائد التنفيذي في أي قطاع أن يقول لقد وفرنا العام الماضي عشرة آلاف وظيفة بدلاً من أن يقول سنوفر مائة ألف وظيفة العام القادم . أو أن يقول آخر لقد وفرنا عشرين ألف سرير مريض جديد بدلاً من أن يقول أنه خلال الخطة الخمسية القادمة سوف نوفر 300 ألف سرير مريض .... وهكذا لبقية مكونات التنمية . ومع إيماني التام بأن القيادة الحكيمة للبلاد وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وعراب التنمية الجديدة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان يمارسون القيادة والرقابة المطلوبة لتحقيق التنمية فهذا أمر لا يشك فيه عاقل وعارف ومتابع إلا أنني أدعو لزيادة الفاعلية والتفاعل من كافة القطاعات وبأساليب أكثر حداثة ومشاركة مع المجتمع فرؤية 2030 هدفها وغايتها هو الوطن والمواطن والمقيم في هذه البلاد . وزيادة تفاعلهم ورفع كفاءتهم وتكثيف جهودهم هو خير على خير يعين القيادة ويحقق تطلعاتها .

أخيراً لعلي أختم باقتراح لعله يجد القبول وهو أن السنوات السبع القادمة حتى 2030 هي مرحلة دقيقة وهامة وعليه فقد يكون من المناسب أن نضيف بعداً توعوياً وإعلامياً لمسيرة الرؤية وذلك أن نربط اليوم الوطني في 23 سبتمبر (والذي ينتظره الجميع ويتشاركون به الاحتفال والاعتزاز والشعور الطاغي بحب الوطن ومنجزاته)  من كل عام بإنجازات الرؤية بحيث يتم في 21 أو 22 سبتمبر من كل عام إعداد جهد إعلامي رسمي يوضح ما تحقق كل عام في طريق الوصول إلى عام 2030 . عليه نقترح وجود تقرير سنوي مركز في ذلك الوقت من كل عام يقدمه كل من :

1- جهة تنفيذية حكومية لجهود القطاع العام .

2- مجلس الغرف التجارية لجهود القطاع الخاص .

وفي ضوء محددات عملية دقيقة قابلة للقياس والتقييم . إنني على ثقة أن تحقيق ذلك سوف يكون محل إنتظار وترقب من الجميع خاصة المهتمين بالتنمية ولعل ما يتم في إعلان الميزانية العامة للدولة (ومايصاحبها من ترقب وتقييم ودراسة ) لخير مثال لأهمية الآلية المقترحة .


أخيراً حفظ الله الوطن وقائده خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز و ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وكل ذكرى وطنية سعيده هي تاج على رأس المواطن والمقيم في هذه البلاد الطاهره.

وبالله التوفيق

الثلاثاء، 4 أبريل 2023

تحديات التنمية

 لا تحسبن "التنمية" تمراً أنت آكله

لن تبلغ "التنمية" حتى تلعق الصبرا  *


 التنمية وما أدراك ما التنمية!!!. التنمية مفهوم وكلمة ظاهرها بسيط وباطنها صعب وشاق ودونها خرط القتاد. إن استعارتنا للبيت الشعري القديم في بداية المقالة وإجراء بعض التصرف فيه لتعبيره الصادق عن مضمون التنمية والجهد المطلوب لتحقيقها. إنها (أي التنمية) هي الغاية والهدف المنشود في كل مناحي الحياة بل هي الترياق الشافي للمجتمعات من أمراضها وآلامها . لذا فجميع شعوب العالم تبذل الكثير من الجهد فكرياً ومادياً للوصول إلى معدلات تنموية تناسبها وتتعامل مع واقعها. وهذا التوجه للتعامل مع الواقع هو شرط ضروري وأساسي لكي تنجح التنمية . فالتنمية ليست مقاس واحد(free size) ‏فما يصلح لمجتمع ما قد لا يكون صالحاً لمجتمع آخر.

‏كذلك يجب أن نعرف أن من أهم صفات التنمية أنها عملية مستمرة (dynamic) وليست عملية جامدة (static) ولذا فإنها تتغير مع الوقت والمؤثرات وتغير الظروف والمعطيات. ولذا فلا يمكن أن نختار نظرية أو نموذج تنموي في مجتمع ما ونعتقد أن الأمر انتهى عند هذا الحد . إن إي مسؤول عن التنمية هو في واقع الحال يعيش يومه مهموماً بمتغيراتها ومستجداتها وكأن بيت الشعر الذي استعرناه في مقدمة المقالة هو بيئته اليومية . أنها جهد وجهاد لاتقبل الغفوة أو النومة. أعان الله كل مسؤول تنموي يتولى مسؤوليتها محتسباً وقته وجهده لله وحده لا شريك له وواضعاً الوطن والمواطنين نصب عينيه. كذلك فالتنمية ليست أمرا سهلاً أو بضاعة جاهزة يمكن شراؤها فلو كان الأمر كذلك لما وجد مجتمع متخلف أو (غير نامي ). التنمية هي عملية وجهد معقد ومستمر وتحتاج أعين رقيبة تتابع مراحل التنمية وتغيراتها ومتطلباتها فهي عرضة للتأثير من عوامل داخلية وخارجية. فالتنمية ينطبق عليها قول الشاعر العربي القديم حوط بن رئاب الأسدي : (وكابدوا المجد حتى مل أكثرهم ..... وعانق المجد من أوفى ومن صبرا). وهي قابلة للتأثر من كل متغيرات العالم سياسياً وتقنياً وعلاقات دولية وغير ذلك من عوامل التأثير . كما أنها تتأثر كذلك بالعوامل الداخلية من توجهات وفلسفات إدارية ووفرة وندرة الموارد الاقتصادية سواء أن كانت طبيعية أو بشرية أو نظم وإجراءات إدارية. ومع أن مصطلح التنمية يمكن أن يتفرع إلى أجزاء (أو تخصصات بلغة الأكاديميين)  فنجد التنمية الاقتصادية و التنمية الاجتماعية والتنمية الثقافية وتنمية الموارد البشرية وغير ذلك من المسميات إلا أنها كلها في الاخر تمثل لبنات يكمل بعضها بعضاً في إتمام البناء على شرط أن تكون كل هذه الجزيئات التنموية تنطلق من منصة واحدة أساسية تنطلق منها المسارات والمحددات و الإمكانيات. ولذا فإن موضوع التنمية على المستوى الوطني عندما يتم نقاشه والحديث عنه يجب أن يتجه للمعنى الشامل والكامل وهو ما يعرف بالتنمية الشاملة . ومصطلح التنمية الشاملة هوالفكر التنموي المهيمن على إدارة التنمية لأنه يتعامل مع كل الأبعاد التي تحتاجها المجتمعات للتطور والتقدم وقد أثبتت التجارب الدولية خلال الستين سنة الماضية فشل بناء أي مجتمع على بعد تنموي واحد فقط وإهمال الأبعاد الأخرى. ولقد ساد بين المختصين مصطلح أنه لا يمكن أن ترقص بقدم واحدة فلابد من وجود القدمين معاً لتظهر الرقصة بحلة زاهية جميلة مقبولة. إن العمل على مبدأ التنمية الشاملة لا يغفل عن أبعاد على حساب أبعاد أخرى.  فالإهتمام بالتنمية الاقتصادية يجب أن لا يؤدي إلى إهمال التنمية المكانية والتنمية المادية ليست بديلاً عن التنمية الروحية. وعليه فإن تحقيق معدلات نمو (growth) جيدة فقط ليست كافية دون معالجة معدلات البطالة و إيجاد وظائف جديدة في الاقتصاد الوطني ولابد أن يأخذ في اعتباره توزيعها المكاني على رقعة الوطن .... إلخ . ولعل أصدق وصف لضمان تكامل مسارات التنمية مع بعضها البعض هو وصفها كوجود أوركسترا تتكون من آلات موسيقية متعددة بعازفين متعددين يحتاج كل ذلك لقائد أوركسترا يضمن تفاعل الجميع وتكاملهم مع بعض وإلا لأصبحت المعزوفة الموسيقية نشازاً يفر منه المستمعين ولا يمتعون أذواقهم وذائقتهم بجمال المقطوعة السمفونية . وأخيرا لعلنا نختم بالتطرق لعدد من المعايير التي نرى ضرورة وجودها في كل جهد تنموي حتى نضمن الوصول للتنمية الشاملة:

  1. تمكين القطاع الخاص السليم ومساعدته للنجاح من خلال الحد من الإحتكار والتمييز بين دعم رجال الأعمال ورجال المال .
  2. التأثير المكاني للبعد التنموي .
  3. إيجاد وخلق الفرص الوظيفية للمواطنين .
  4. الموائمة بين استثمار الموارد واستدامتها .
  5. تقليل الفجوة ومعالجة التباين بين الدخول للقوى البشرية المشاركة في التنمية وتطوير نماذج تتعامل مع ذلك .
  6. قياس التأثير الاجتماعي والثقافي قبل الاقتصادي في تقييم التنمية.
  7. تحسين جودة وفعالية القطاع العام ونبذ البيروقراطية السلبية .

الخميس، 20 أكتوبر 2022

لا يهمونك

قبل عدة سنوات إستخدمت عنوان المقالة أعلاه في إبداء وجهة نظري وقرأتي المستقبلية لأحداث وتصورات ذات علاقة بمعطيات الشأن المحلي ولكن لم يشاء الله أن أنشره في حينه لظروف خاصة. وكان مصطلح لايهمونك لزمة لغوية تتردد في ذهني كلما رأيت أحداثاً وسهاماً تصوب لرجل صالح ومصلح لإيقافه عن الإصلاح ووضع العراقيل في طريقه ومحاولة إقفال طريق النجاح أمامه خاصة عندما تكون هذه السهام والمعوقات دافعها الحسد أو الكره.

اليوم أجدني استرجع مقولة "لايهمونك" واستخدمتها في محاولة فهم الواقع الدولي وما يتم من بعض أجزاءه من تجاوزات وكذب وبهتان ظاهرها الحق والصدق وباطنها الكذب والتجني ومحاولة تحقيق المصالح على حساب المبادئ والقيم .

دعونا ندخل في صلب الموضوع وهو محاولة بعض قوى الشر بوضع العراقيل في طريق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لبناء دولة عصرية ذات قيمة ووزن على خارطة العالم بما حباها الله من إمكانات وإمكانيات . 

نعم نحن السعوديون نعرف ونعلم ونشاهد ونؤيد ما قام به قائد النهضة الحديثة للمملكة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان . ولاشك أن هنالك الكثير من الخيرين في العالم اللذين يقدرون ما يقوم به أدامه الله من جهود لبناء دولة مؤثرة ذات أبعاد عالمية إنسانية.

إلا أن قوى الشر وكما هي عادتها لا يسرها سريان الخير وسيادة الحق والمبادئ النزيهة فهم لا يعيشون إلا في بيئات فاسدة تمكنهم من إمتصاص دماء البشرية ونهب مواردها. وعندما يقوم مصلح في أي مكان في العالم لإصلاح حال مجتمعه تنطلق ابواق الشر المرتبطة بقوى الاستعمار وناهبي خيرات البشرية حيث يلصق بهذا المصلح كل الصفات المنفره ويسخرون أبواقهم الإعلامية وجمعياتهم المشبوهة والفاسدة لإصدار التقارير المفبركة وكل ذلك من أجل إرهاب المصلح وإخضاعه لسيطرتهم والسير في ركبهم. وشواهد هذا الحال موجودة في كل قارات العالم خاصة أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا التي تعرض المصلحون فيها إلى حملات شعواء لإيقافهم حتى لو كان ذلك بالتصفية الجسدية.  ومن يبحث ويقرأ التاريخ خلال المائة عام الماضية سيشيب رأسه من جرائم الإنقلابات العسكرية والتصفيات الجسدية لرواد مصلحون لم يكن همهم إلا نهضة شعوبهم فقط . ومن أمثلة ذلك ما حصل لكل من ألليندي ونكروما وعبدالناصر وغاندي ومانديلا والقائمة تطول .

اليوم نجد الأمير محمد بن سلمان أحد القلائل في العالم اللذين إنطلقوا لبناء شعوبهم بكل صدق وأمانة وسعى في كل إتجاه لتحقيق نهضة حديثة للمملكة العربية السعودية في كافة المجالات خاصة الاقتصادية والاجتماعية . فوضع أطال الله في عمره الاستراتيجيات وطور الأنظمة وسعى لتمكين فئات المجتمع خاصة الشباب والنساء لتشارك بنهضة الوطن . ولعل إطلاق الاستراتيجية الصناعية الوطنية أخيراً هي المسمار الأخير في نعش قوى الشر وكارهي خير وتطور الأخرين فإنطلقت أبواقهم الإعلامية وسخرت مطابعهم المأجورة لإصدار النشرات والتقارير المفبركة وكل ذلك أملاً منهم بإيقاف الإنطلاقة  وإرهاب المشاركين فيها مستهدفين إما التوقف كلياً أو على الأقل تخفيف سرعة الإنطلاقة . ولكن هيهات وهيهات فصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان من نوعية القادة العظماء اللذين يضعون الأهداف ويبذلون الغالي والرخيص للوصول لها رضي من رضي وغضب من غضب فالحق أحق أن يتبع ولو كره المنافقون. لقد فقدت قوى الشر البوصلة وتجاوزت على المبادئ والحقوق وداست على الاتفاقيات والمواثيق الدولية يدفعها لكل ذلك رعبهم وخوفهم من وجود قادة جدد يخرجون عن الطوع ويتسامون عن المصالح الضيقة الى المصالح العليا لاوطانهم. إن كل المنصفين في العالم يشاهدون اليوم هذه الحملة الظالمة على المملكة العربية السعودية فقط لانها اختارت ان تعيد بناء نفسها على أسس ومبادئ تحقق مصالحها وأنا متأكد (بل سمعت وشاهدت) الكثير من عقلاء العالم اللذين اغضبهم الجور والفجور في الخصومة التي قام بها البعض خاصة ما يسمى اليسار الديمقراطي واتباعه من أرهابيين وتنظيمات ومنظمات مأجوره حتى انه لايقع أي حدث في العالم الا ويتم محاولة إلصاق التهمة بالمملكه وعلى وجه الخصوص الأمير محمد بن سلمان . نحن نؤمن ونعرف أن الحق لابد أن ينتصر وأن الظلم نهايته قريبة ووبال على أصحابه لذا فإني كمواطن سعودي اجدني اعيد وأكرر مقولة لا يهمونك يا صاحب الرؤية ومجدد الأمة فمادام شعبك معك ومادام عجلة النهضة والتطور انطلقت فتأكد ياصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان أن فجر النهضة العملاقة قد بزغ وأن عام 2030 اصبح على الأبواب والتي ستجعل المملكة العربية السعودية في مكانة ومكان هي مستحقه له. لا يهمونك ياسمو الأمير فشعبك والخيرين في العالم معك يدعمونك ويدعون لك بالتوفيق.

الثلاثاء، 12 أبريل 2022

نظرية حسني البُرزان ومشكلة أوكرانيا

لعل مايسمى جيل الطيبين يتذكر المقولة المشهورة التي كان يرددها الممثل نهاد قلعي (حسني البُرزان) في مسلسل صح النوم مع رفيق دربه دريد لحام (غوار الطوشه) حيث كان حسني البُرزان يطلق نظريته الخطيرة " إذا أردت أن تعرف ما في إيطاليا فعليك أن تعرف ما في البرازيل" وكانت هذه اللزمة مستمرة معه أثناء محاولاته لكتابة مقاله الشهير في المسلسل . كان جيل الطيبين يضحكون من مقالب غوار وصمود حسني الثقافي في وجه شيطنة غوار. طبعاً إذا تمعنا في مقولة حسني البُرزان فقد نقول أنه يقصد إما فهمه لنظرية المؤامرة وأن ما يحدث في مكان ليس بالضرورة نتاج واقعه ولكنه نتيجة لتأثير مكان آخر . وقد يكون هناك تفسيراً آخر وهو تداخل العالم ووجود التأثير المتبادل بين أجزاء الكرة الأرضية . على كل فإن بساطة مقولة حسني البُرزان في صلب الإدارة السياسية التي تسود وتحكم العالم قديماً وحديثاً . بل أن مضمون المقولة البسيطة هو ما وصل له العالم من تحقيق مبدأ العولمة وهيمنته على عالم اليوم .

وحيث تشهد هذه الفترة قضية دولية اسمها الحرب في أوكرانيا والتي من مظاهرها تكتل العالم الغربي بقيادة أمريكا ضد روسيا واستخدام كل السبل والوسائل لبناء عالم جديد وبشروط جديدة فما الحرب إلا ظاهرة لقضية أعمق وأشمل .

فقد حاولت مثلي مثل غيري فهم مايجري ولماذا كل ذلك وهل كان حدث آني أم أن ذلك نتيجة تخطيط واستراتيجيات معدة منذ زمن طويل. وبحكم بساطتي وأخذي للأمور كما أراها (فما يحصل في مراكز صنع القرار ليس متوفراً ولا سهلاً للإستيعاب لمن هو خارجها).

وفي بداية متابعة نشرات الأخبار وتلقي كميات هائلة من حملات التشويش والتأثير من خبراء التحليل الموجهين في وسائل الإعلام فقد اختصرت فهمي للحدث في بدايته بمقولة بسيطة نشرتها في لينكد إن قبل شهر نصها مايلي "بمتابعة مايحصل بين روسيا وأوكرانيا ومحاولة مفهم ما يجري وجدت لمسات هوليوود على مسرح الأحداث". لقد كان الإخراج الإعلامي وتنقل الكميرات تنبئ عن فيلم سينمائي يقوم على إخراجه مخرج متمرس تتوفر له المعدات اللازمة ومواقع التصوير المناسبة. اليوم وبعد مرور أكثر من شهر على بداية الحرب وظهور بعض المعطيات وارتفاع كفاءة التحليل وفهم الواقع نجد أن إسترجاع نظرية حسني البُرزان قائمة بحيث يمكننا القول " لتفهم ما يحصل في أوكرانيا فعليك أن تفهم ما حصل في أفغانستان وما يحصل في إيران".

كثيرون منا أصابتهم الصدمة بما حصل في أفغانستان بين ليلة وضحاها وتسليم السلطة لطالبان بشكل أربك الجميع محلياً ودولياً حتى أن تعلق الناس في الطائرات وهي في مرحلة الإقلاع وتساقطهم من علو يمثل مشهداً مروعاً ولكنه يعكس تسارع الأحداث ومفاجآتها للكثيرين . ولكن السؤال هل هذا هو الواقع ؟ الجواب من وجهة نظري فهو لا كبيرة فما حدث في أفغانستان كان بداية لما سيحصل في أوكرانيا . فالسيناريو قد رسم والخطوط الاستراتيجية للسياسة الدولية الجديدة تم إعادة تفصيلها في مراكز إتخاذ القرار المهيمنة . ولقد كانت الإجتماعات الشكلية بين طالبان وخصومها وبإشراف الولايات المتحدة في الدوحة بقطر هي بداية الخطوات للتنفيذ . لم يكن واقع الحال في أفغانستان يفرض ذلك ولكن ماكان مستهدفاً في مواقع أخرى هو في رأيي السبب الرئيسي . إنها نظرية حسني البُرزان في مسلسل صح النوم .

وإذا كانت الترتيبات في أفغانستان هي البداية فإن مايجري في إيران والمحادثات في مدينة فينا بالنمسا لإعادة الإتفاق النووي المشؤوم هو خطوة أخرى لاشك أنها ضمن نفس التوجه والإطار وليس من منطلق حب الخير والسلام العالمي . لقد أصبح قرار إدخال إيران وكسب التأييد الدولي لها وإطلاق يدها هو جزء (في نظري وقناعتي ) من هدف آخر تجري أحداثه في أوكرانيا.

نعم إذا أردنا أن نعرف ما يحصل في أوكرانيا فعلينا أن نعرف ما في أفغانستان وإيران فعالم اليوم بكل أسف ما يقوده ليس القيم الإنسانية وإحقاق الحق وردع الباطل وإنما هوس قوى الشر ومراكزها لاتخاذ القرارات المبنية على نظريات استعمارية مهما حصل من تغليف وتزيين لمضمونها فإزالة التغليف يظهر تحته الوجه القبيح للاستعمار الجائر.

إننا نشهد اليوم بكل أسف وتحت أنظار المنظمات الدولية السماح بالقتل والتآمر في مكان من العالم وغض الطرف عن ذلك في مكان آخر ولعل أوكرانيا أكبرمثال مقارنة بما يحصل في فلسطين وسوريا وبورما .

لقد أسقطوا كل نظريات العولمة والحرية وحقوق الإنسان عندما وجدوها تعارض مصالحهم حتى وصل الأمر لمطاردة الفنانين واللاعبين واليخوت واللوحات الفنية ولذا فقد آن الأوان لأبو حنيفة أن يمد رجليه.

وفي الختام دعونا نقول أنه مرت أكثر من ستين سنة على نظرية حسني البُرزان (نهاد قلعي) ولكنها مازالت قائمة فقط تغيرت المسميات فبدلاً من إيطاليا عند حسني نضع أوكرانيا وبدلاً من البرازيل يمكننا أن نضع أفغانستان وإيران !!!.

حمى الله كل محب للخير في العالم وحمى الله بلاد المسلمين وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ومبارك على الجميع العشر الوسطى من شهر الخير شهر رمضان المبارك.

الأحد، 13 فبراير 2022

سيرة "تيسرت" للدكتور صالح الهذلول: نموذج للكفاح والنجاح

يوم الأربعاء الموافق 9 فبراير 2022م تشرفت بحضور الحفل الذي أقامته جمعية علوم العمران وشرفه بالحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز وكان ذلك بمناسبة إصدار سعادة الدكتور صالح بن علي الهذلول وكيل وزارة الشئون البلدية والقروية السابق كتاباً يحكي سيرته الذاتية منذ طفولته حتى اليوم.ولقد حضر هذه المناسبة العديد من زملاء وأصدقاء وطلاب الدكتور صالح وكل واحد منهم كان سعيدآ بالحضور تقديرآ وتكريمآ لشخصية منفردة علمآ وعملآ وقيم إنسانيه يعرفها من كان قريبآ منه وسعد بالعمل معه سواء كان موظف أوطالبآ.لقد كان الدكتور صالح أثناء مسيرته الأكاديمية أو العملية شخصآ مميزآ بمزيج من الصفات عنوانها الجدية والعصامية والكفاءة والوطنية.إن كتاب "تيسرت" سيقدم لقارئه صورة بانورامية تشبع من ينظر إليها وكلٌ حسب الزاوية التي يرغب حيث تتنقل من جوانب شخصية لجوانب عملية وجوانب وطنية وإجتماعية .بل أن هذه السيرة يمكنني أن أطلق عليها وثيقة تاريخية لحياة مجتمعنا خلال الخمسين سنة الماضيه فهنالك من التفاصيل والصور والأحداث مايشبع نهم القاريء .حقيقة أنا هنا لست في مجال تحليل ونقد الكتاب ولكن مايهمني هو صاحب هذه السيرة الذي عملت معه وتعلمت منه الكثير بل أنه صاحب فضل كبير علي وعلى كثير من زملائي اللذين شرفوا بالعمل تحت إدارته ونهلوا من خبرته وتوجيهاته لسنوات عديدة ومازلنا نسعد به حيث يجمعنا كل رمضان لنلتقي ونعززأواصر الأخوة والزمالة  فهو كما عرفناه لأول مرة وحتى اليوم على الرغم أن مكان العمل فرقنا منذ أكثر من عشر سنوات .وحتى لا أطيل عليكم بتعريف المعرف فإنني أستسمحكم بإستعراض بعض المواقف التي ممرت بها والتي توضح شخصية هذا القائد العملي الذي يدفع شباب الوطن ويوأزرهم دون تمييز:

1_لقد كانت وكالة تخطيط المدن برئاسة الدكتور صالح الهذلول بوتقة لكافة أبناء الوطن بتميزاته المناطقية أو الإجتماعية وهذا ما لاحظه ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز طيب الله ثراه (الواقعة موجودة بكتاب السيرة الذاتية).

2_لم تكن الوكالة مركز عمل فقط ولكنها كانت مركز تعلم وتعليم حيث حرص الدكتور صالح على إقامة ندوات علمية ودعوة محاضرين متخصصين في مجال عمل الوكالة لإلقاء المحاضرات وإدارة ورش العمل. فهل يغيب عن ذاكرتنا نحن جيل تلك الفترة مسرح الوكالة وهو يعج بالشباب وكأنهم في أحد قاعات الجامعات. يالها من أيام جميلة !!.  

3_ولإيضاح ثقته ودعمه للعنصر الوطني فأعذروني لإستعراض حالة خاصة عشتها وممرت بها. كان هنالك مشروع كبير أسمه الإستراتيجة العمرانية الوطنية وكان تحت إشراف مشروع لللأمم المتحدة حيث تم إستقطاب خبراء من كافة دول العالم. ومن حرص الكتور صالح فقد قام بتعيين موظف سعودي مع كل خبير وكان يسمى نظير(counterpart) وكنت أعمل حينها مع خبير أمريكي من أصل مصري أسمه الدكتور محمد عبدالرحمن وكان رجلآ مخلصآ ومعطاء في نقل تجربته وعلمه. وكان من ضمن الفعاليات التي تقام في الوكالة أن تعرض هذه الإستراتيجة عندما يحضر ضيوف مهمين وكان الدكتور عبدالرحمن يتولى هذه المسئولية بحكم أهميتها وضرورة أبرازاها بشكل علمي ومهني مميز.وفي يوم من الأيام كان لدينا وفد من البنك الدولي وتم التجهيز للقاء وإعداد العرض المطلوب وأثناء بداية اللقاء لاحظت ورقة صغيرة تتنقل بأيدي الزملاء الموجودين حتى وصلت لي فإذا مكتوب بخط الدكتور صالح :الأخ فدغوش أنت الذي ستقدم العرض اليوم فأسقط في يدي وأحسست أن الثواني ساعات لأنني لم أكن مستعدآ نفسيآ لذلك إضافة أن العرض باللغة الإنجليزية وهو مايزيد الحمل حملآ أخر. المهم قدمت العرض وشرحت الموضوع وبينت ما أستطعت على اللوحات والخرائط. وانتهت هذه المهمة وأنا لاأعلم ماذا قلت .وعندما خرج الوفد الأجنبي قال د. صالح من اليوم فإن مهمة عرض الإستراتيجية العمرانية من مهام فدغوش سواء بالعربي أو الإنجليزي .بعد ذلك اختلى بي وقال إنني أتخذت هذا القرار لثقتي بك وغيرك من شباب الوطن كما أشاد بالأداء الجيد. كما أنه أشار إلى أن أبناء الوطن هم من يجب أن يحملوا مسئوليته أما الخبراء فدورهم توجيهي ومساعد ولهم الشكر والتقدير عندما يقومون بذك بإخلاص وكفاءه ولكنهم ليسوا هم أصحاب المسؤلية المباشرة .

4_أمر مشابه لما ورد أعلاه وهو مايعكس ثقته بالشباب السعودي ودعمهم  فقد كان هنالك مؤتمر في نوتردام -هولندا وشاركنا ببحث علمي الدكتور صالح وأنا و عندما وصلنا إلى هناك أبلغني بأن أقدم البحث العلمي وسيكون بجانبي إذا أحتجت لدعمه أو الإجابة على التساؤلات التي لا أعرفها أو تحتاج إلى إيضاح أكثر عمقآ وتفصيلآ. علماً أن إلقاء الدكتور صالح للبحث سيكون أكثر قبولاً بحكم منصبه وخلفيته العلمية والجامعات التي تخرج منها مثل MIT و هارفرد . 

5_أنا متأكد أن كل من عمل مع الدكتور صالح أو زامله أو صادقه عنده من الحكايات الكثير التي لوجمعت في كتاب لوجدنا أمامنا وثيقة رائعة لنموذج متميز من الكفاءات الوطنية سواء  في الجانب الأكاديمي أو العملي أو الإنساني. كما أنني لم أسرد الكثير من المواقف التي تعكس شخصيته ولكنني فقط أوضحت الجانب الخاص بدعمه وإيمانه بكفاءات الوطن وإعطائهم الفرص.

سعادة الدكتور صالح الهذلول لقد وفيت وكفيت فلك الشكر والتقدير وأسأل الله أن يطيل في عمرك وأن يمتعك بنجاح وتوفيق أبنائك وأحفادك وهؤلاء قصة أخرى من النجاح ولكنني أتركها لغيري ليرويها.

الاثنين، 27 ديسمبر 2021

كيف نقيس وندير تنميتنا؟ (3-4)

 3-دور الأدوات المالية والبشرية على المستوى الإقليمي والمحلي

 يتضح من وجهات النظر التي وردت في (1+2) من موضوع "كيف نقيس وندير تنميتنا" وكذلك ما سبقها من طرح تحت عنوان "بوح مواطن بشأن التنمية" أن المبدأ الأساسي الذي تمحورت حوله كافة وجهات النظر ينطلق من مبدأ الأخذ بالتنمية الشاملة والتي تقوم على أبعاد إقتصادية ومكانية لا بد من استيعابها وعدم تغليب أحدهما على الآخر.

ولذا فإنني أعتقد أنه من الضروري أن نتعامل مع الطرح بخصوص دور الأدوات المالية والبشرية بارتباطه بالتنمية الشاملة وذلك حتى يكون ذو معنى ويتسق مع المظلة الأساسية وهي تحقيق التنمية الشاملة وتعريفها الذي ألمحنا له أعلاه.الكل يعلم أن المملكة شهدت ولله الحمد خلال الأربعين سنة الماضية طفرة غير مسبوقة كان من أهم نتائجها توفر الكوادر البشرية المتعلمة والمتخصصة، كما أصبحت الموارد المالية اللازمة للبناء التنموي ليست عائقاً أمام متخذي القرار حيث بذلت الجهود بإستثمار ذلك وكانت النتائج جيدة في معظم الأحيان خاصة في موضوع البنية الأساسية للخدمات والمرافق. كما أنه صدرت كثير من الأنظمة والتعليمات لتحقيق التنمية الإدارية في كافة أجزاء الوطن ولعل من أهمها إنشاء مجالس المناطق والمحافظات.

 وهنا يجب أن نوضح أن المسار التنموي لأي مجتمع يكون في الغالب نتاج الجهود التراكمية، فالمجتمع الواعي هو الذي يقوم كل فترة زمنية بمراجعة ما تم والإستفادة من الإيجابيات لرسم المسار المستقبلي. ولعل من نافلة القول أن واقع المجتمع في السابق كان يفرض الأخذ بمبدأ المركزية في معظم الأمور، ولذا كانت الجهود لتنمية المناطق والمحافظات في معظم الأحيان تتبع المسار التقليدي العنقودي الرأسي في إتخاذ القرار من صرف واعتمادات وتوفير الكوادر البشرية. ومع عدم الإنكار أن هنالك الكثير من الإنجازات التي تحققت إلا أن هذا الأمر له محاذيره (خاصة مع التطورات التنموية الحديثة والجديدة التي تشهدها المملكة) ومن أهمها تخلي كثير من مسؤولي التنمية على مستوى المناطق والمحافظات عن دورهم الكامل والشامل بدعوى أنه يرفع للجهات المركزية ولكن لا يأتيه الجواب لدرجة أن بعض من قدرته الإدارية ضعيفة أو أقل من المطلوب وجد في ذلك فرصة للهروب من تقصيره وسوء أداءه، فكل مرة لديه شماعة يعلق عليها كبواته (وقد يكون عنده بعض الحق في بعض الأحيان). إن مبدأ ومبرر "لقد رفعنا للجهات العليا" هي كليشة جاهزة عندما يحاصر المسئول على المستوى الإقليمي أو المحلي ويواجه بالإخفاقات وعدم الإنجاز على المستوى المأمول. ومثل هذه الأمور والجدل حولها وهل الصحيح المركزية أو اللامركزية هي ميدان واسع سبقني الكثيرين في مناقشته وطرحه، كما أنني قد عشت مثل هذه التجارب، فلا تعلم هل تلوم المسئول المقصر أو المسئول المركزي الذي يقيده بالقرارات والتعليمات. اليوم تشهد المملكة نظره جديدة للتنمية تنطلق من رؤية 2030م وأصبح إنشاء العديد من الهيئات لتطوير المناطق والمحافظات أمراً واقعاً ومشاهداً مما يدل على أن القيادة الحكيمة رسمت منهجاً متطوراً لتحقيق التنمية يتخلص من الإرث البيروقراطي السلبي الذي قد يكون عائقاً أمام تحقيق الطموحات الكبيرة المستهدفة للملكة العربية السعودية. إن أخذ كل ما سبق في الإعتبار واستيعاب ما هو وطني وما هو محلي سيؤدي بالضرورة إلى أهمية تطوير وإنشاء آليات وإجراءات للموارد المالية والبشرية في المناطق (الأقاليم) تختلف نوعاً ما عن ما هو سائد أو أنها ستدعم التوجهات الجديدة القائمة الآن، وعليه فإنه يمكن إيضاح بعضها كما يلي:

أ-الموارد البشرية: تعتبر الموارد البشرية وتحديد الإحتياج منها هي الوجه الآخر لما يعرف بالتنمية الإدارية. فحسب النظام الإداري وهياكله وتخصصاته يتم تخصيص الاحتياجات عدداً ونوعاً وكذلك يعد الهيكل التنظيمي وتعتمد إجراءاته العملية لتحقيق الاستفادة الكاملة من أبعاد التنمية الشاملة المستهدفة ولذا فقد يكون مناسباً القيام بتغيير إداري كبير للعلاقة بين الأجهزة الحكومية المركزية وأقاليم (مناطق) المملكة خاصة أن القيادة السعودية الحكيمة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ورائد النهضة الحديثة صاحب السمو الملكي الأميرمحمد بن سلمان ولي العهد إتجهوا كما أشرنا سابقاً إلى خطوة مباركة وهي إنشاء هيئات التطوير لمناطق وبعض المحافظات، ولاستكمال هذا التوجه فقد يكون منطقياً النظر في تحديد نوعية المشاريع الوطنية التنموية والتي ستكون من مسؤوليات الأجهزة المركزية، أما ما عدى ذلك فيترك للمناطق حسب إمكاناتها وظروفها واحتياجاتها. وهنا دعونا نتذكر واحدة من أشهر مآثر الملك عبدالعزيز (رحمه الله) وهي مقولته المعروفة (يرى الحاضر ما لا يرى الغائب) والتي كانت منهجاً إدارياً ودرساً رائعاً لمن كان يعمل تحت إدارته.وعليه فإن تحقيق مفاهيم التنمية الشاملة والتي سيكون البعد المكاني أحد ركائزها تتطلب إعادة هيكلة لمنظومة الإدارة المحلية. وهنا نقترح بأن يتم الفصل التام إدارياً وربط كل أجهزة أي منطقة بمجلس المنطقة الخاص بها والذي يرأسه أمير المنطقة. وبهذه الخطوة فإنني متأكد من أن الأخذ بهذه التجربة سيطلق أفكاراً إبداعية لكل منطقة بحيث تحدد أولوياتها ونوع الأجهزة الإدارية اللازمة وما تحتاجه من كوادر (أدوات) بشرية. إن نمطية الأجهزة الإدارية في مناطق المملكة هو شكل روتيني لم يعد يتناسب مع مستقبل التنمية، فعلى سبيل المثال فقد تكون منطقة ما بحاجة إلى إدارة للصناعة ومنطقة أخرى تحتاج إلى إدارة للسياحة ولكن ليس من المعقول أن تكون كل الإدارات المركزية ممثلة في المناطق بصرف النظر عن واقع الحال في المنطقة المعنية.لقد أصبح الوقت مناسباً أن نكسر المسار الإداري القائم على خدمة (الإيصال البريدي) بحيث تكون المعاملات صادرة واردة بين الفرع والمركز دون فائدة تذكر.

الموضوع طويل وتفاصيله كثيرة ولكن ما أرجوه هو التمعن في الفكرة. إن تنميتنا المستقبلية بحاجة إلى أدوات بشرية وإدارية (كماً ونوعاً) تختلف من مكان لآخر والقيام بذلك ستنعكس بإذن الله آثاره على الجميع من ناحية زيادة معدلات التنمية في المناطق وكذلك رفع كفاءة الإنفاق من المالية العامة وتقليص الهدر بسبب البطالة المقنعة المشاهدة في كثير من الأجهزة المركزية.

ب-الموارد المالية: لا شك أن موضوع الموارد المالية مرتبط بشكل تام مع ما تم طرحه في الفقرة " أ " (الموارد البشرية) لأن كل تنظيم إداري سينعكس على أسلوب وكيفية توفير ما يحتاجه من موارد مالية. وبناءً على ذلك فقد أصبح من الضروري إجراء هيكلة حقيقية لذلك تقوم على اساس كفاءة وقدرة الأقاليم (المناطق) في إدارة مواردها المالية بناءً على أولوياتها واحتياجاتها وهذا يتطلب في رأيي التفريق بين أمرين هما:

1-مشاريع ومرافق وخدمات ذات بُعد وطني تتولاها الأجهزة المركزية.

2-تنمية الإقليم والمنطقة وتحديد أولوياتها ومشاريعها وخدماتها ويتم ذلك بموارد خاصة لكل إقليم تربط إما بالهيئات التطويرية التي انتشرت الآن في المناطق أو تكون هذه الموارد ضمن مهام وأعمال مجالس المناطق برئاسة أمراء المناطق.

وفي هذا الواقع المستهدف فإن تخصيص الموارد اللازمة لكل منطقة يمكن أن تتوفر من مصدرين هما الدعم من قبل الميزانية العامة للدولة وذلك حسب الحجم السكاني لكل منطقة، أما المصدر الآخر فهو مداخيل كل منطقة من رسوم وضرائب وإستثمار لموارد المنطقة.

ودون الدخول في عمق كافة التفاصيل لهذه المقترحات الواردة في الفقرات (أ ، ب) أعلاه (لأن الهدف هنا هو الفكرة وليس كامل الدراسة والبحث) فإنني أرى عدم التردد في الإنطلاق لهذه التوجهات الحديثة في الإدارة المحلية لأن هذا هو الأنسب خاصة لدولة كبيرة المساحة مثل المملكة العربية السعودية. لقد أصبح الأمر جلياً بالحاجة إلى تخليص الإدارة المحلية من الشحوم والزوائد الدهنية المضرة وإدخالها في برامج تأهيلية تمكنها من استعادة القوام الرياضي الرشيق والتخلص من البيروقراطية السلبية والمركزية المترهلة التي حولت كثير من الأجهزة المركزية إلى مباني تعج بالكتبة والمراسلين والموظفين الذين يديرون كافة أمور التنمية في المناطق دون عناء لفهم كافة الاحتياجات وكيفية رسم الأولويات من الواقع اليومي والمشاهد وليس بناءً على تقارير روتينية مفصلة تناسب كل شيء (all size) أو زيارات رسمية وقتية لا تسمن ولا تغني من جوع. 

إن تنمية 2030 وما بعدها ليست كتنمية ما سبقها نوعاً وكماً ولذا فلتكن الآليات والأساليب للتنفيذ بما يتناسب مع ذلك.


الأحد، 12 ديسمبر 2021

كيف نقيس وندير تنميتنا؟ (2-4)

2- هل المطلوب هو التركز السكاني أم إنتشاره؟ 

أشرنا في الجزء الأول من الموضوع (1-4) إلى أننا سنتطرق إلى عامل مهم في قياس وإدارة التنمية ألا وهو التوازن السكاني على الرقعة المكانية لأن ذلك يمثل نتيجة للتنمية وفي نفس الوقت قد يكون من أهدافها الأساسية. الكل يعلم أن التنمية جهد كبير يقوم على ركائز متعددة لايمكن إهمال أحدها على حساب الآخر. فتحديات التنمية أمر طبيعي وحقائقها ومعطياتها على أرض الواقع ليست بالضرورة ما كان مرسوماً ومخططاً له. فالتنمية هي حراك مستمر(Dynamic)  وليست قواعد ثابتة جامدة (Static). فلو كانت النتائج لأي برامج تنموية كما في الكتب لأصبحت التنمية كما يقال "قطعة كيك" (Piece of cake) ولكان عناء وجهاد التنمية أمر مقدور عليه. إن حقيقة التنمية هي كالحصان الجامح الذي تعده للسبق وتضع له كل الموارد والإمكانات وتختار السايس والمدرب المناسب ولكنه يفاجئك بما يفعله في مضمار السباق لدرجة أنه قد يترك المضمار أو يسقط الجوكي. فماذا أنت فاعل في هذه الحالة؟ المنطق يقوم أن كل ما عليك فعله هو أن تعيد الكرة وتغير ماترى ضرورة تغييره ومن ثم تبدأ الاستعداد مرة أخرى لسباق جديد. بكل بساطة عليك أن تعمل بدون كلل أو ملل وبشكل مستمر فالسباقات مستمرة والميادين عديدة.

هذا هو واقع جواد التنمية فالمجتمعات (أو بالأصح القادة والمختصون) يرسمون الأهداف ويوفرون الموارد ويبدأون التنفيذ ولكن يجب أن تبقى أعينهم مفتوحة بصفة مستمرة لمراقبة ما يحصل على الأرض وتصحيح أي إنحرافات إذا وجدت عن ما كان مستهدفاً. وبدراسة بعض نتائج التنمية في المملكة أتضحت لدي بعض الأمور التي تتعلق بالسكان ومدى انتشارهم على رقعة الوطن فأحببت أن أشارككم هذا الأمر مع قناعتي التامة أنه تحت المجهر ولكن من باب ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين. ومثل الكثير من معطيات التنمية فإن موضوع الإنتشار السكاني يعتبر قضية جدلية بين مدارس التنمية فهناك من يرى أن تركز السكان في عدد محدود من المدن سيؤدي إلى قوة فاعلة لتحريك إقتصادياتها كما أنه أسلوب مناسب لترشيد الإنفاق على الخدمات والبنية الأساسية ورفع معدل الفائدة من حجم الإنفاق. بينما يعارض البعض هذا التوجه ويرتكزون أساسًا على أمرين هما العدالة المطلوبة في إيصال منافع التنمية حتى لو كان لقرى سكانها بالعشرات. أما الأمر الآخر والذي له أسانيده العقلية فهو موضوع الأمن الوطني فليس من الحكمة أن تكون هنالك مساحات شاسعة من الحيز الوطني خالية من السكان مما يجعلها منطقة رخوة معرضة للإخلال بالأمن الوطني سواء من جهات خارجية أو داخلية. فوجود تجمعات سكانية منتشرة ولوكانت متباعدة هي عبارة عن محطات أمنية تحمي الأرض وتساعد الحكومة في مواجهة اي إخلال بالأمن الوطني . ولذا فإن مؤيدي هذا البعدالتنموي يصرون على أن النظرة المالية لوحدها يجب أن لاتكون موجودة في مثل هذا الأمر وأن المطلوب هو العناية بالأمن الوطني المستهدف عن طريق الانتشار السكاني حتى لو كانت تكاليفه عالية نسبياً حسب معايير المالية العامة.

والحقيقة أنني من مؤيدي الانتشار السكاني المدروس ولذا فإن أي اقتراحات لتقليص عدد القرى والهجر وعدم توفير احتياجتها الاساسية بدعوى ترشيد الإنفاق أمر غير مناسب (أو ضار) لحماية الأمن الوطني. إن معطيات التنمية المستهدفة يجب أن لا تركز على بعد واحد ولكن عليها ان تتسع وتأخذ كافة الأبعاد ومن ذلك الأمن الوطني لكامل مساحة الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه عن طريق العناية بالتنمية المكانية بمفهومها العلمي القائم على أنها الوجه الآخر لعملة التنمية.

إن التنمية الراشدة والرشيدة هي مايناسب كل مجتمع ويحترم خصوصياته وواقعه وليس ما تدعو له المراكز الرأسمالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، أو ما تعمل عليه الدور الاستشارية الدولية التي تلهث وراء تكوين وزيادة أرباح الرأسماليين بصرف النظر عما تلحقه من ضرر بالأكثرية أو ما تصل إليه من إجحاف لحقوق الكثيرين اللذين يأملون بتحقيق العدالة الاجتماعية والأمن الشامل حتى ولوعاشوا في خيام بسيطة أو دور متواضعة.

إن توجهات المؤسسات الرأسمالية العالمية ليست خيراً كلها ولعل ماحصل في كثير من دول أمريكا اللاتينية خير شاهد حيث غيرت مساراتها التنموية وأخذت بنصائح هذه المؤسسات مما أدى إل خروج أكثرها عن الطريق فلا هي طالت بلح الشام ولاعنب اليمن واصبحت مثل "معيد القريتين". إنها دعوة صادقة للعمل بمبدأ التنمية الشاملة وأخذ كافة الأبعاد والمعايير ومن ذلك إعادة النظر في أعداد مراكز النمو (الوطني والإقليمي والمحلي) التي اعتمدتها الإستراتيجية العمرانية الوطنية والتأكد من أن شبكة مراكز النمو تغطي كافة أجزاء الوطن. كذلك ليس هنالك ما يمنع من أخذ مراكز تنموية إقليمية (Sub-international) ضمن منظور المحاور التنموية وما تتضمنه من مراكز النمو. ولعل جولة صاحب السمو الملكي الأمير محمد  بن سلمان ولي العهد ورائد التنمية في دول الخليج العربي وإعطاء البعد التنموي مايستحقه من عناية في محادثاته مع إخوانه قادة الخليج خير شاهد على ما نأمله ونتوقعه مستقبلاً. وأخيراً نختم هذا الجزء بالإشارة إلى أن التنمية ليست مالاً يودع في البنوك ولكنها حياة كريمة للجميع وعلى رأس ذلك تعزيز الأمن الوطني وإعطاءه الصفة الشاملة وتحقيق التوازن السكاني وتوزيعه المدروس على كافة الرقعة المكانية.


 


الأربعاء، 8 ديسمبر 2021

بك يفخر الخليجيون والعرب

أنا كأنسان سعودي خليجي عربي أجدني اليوم في حالة سعادة وفخر وإبتهاج وأنا أرى هذا الرمز الكبير والقائد الملهم لشبابنا وراسم المستقبل المشرق بإذن الله يطوف بدول الخليج العربي ويلتقي بإخوانه قادة هذه الدول ساعيآ لتمتين أواصر الأخوة والمحبه ومفعلآ لكثير من الإتفاقيات لمجلس التعاون بهدف سامي هوتوحيد الجهد ورص البنيان لحماية مستقبلنا بتحقيق تنمية مباركه شاملة للجميع وكذلك دراسة الوسائل والسبل الممكنة لدحر أطماع أصحاب النوايا الخبيثة والأحقاد الموروثه.إن كل منصف يعلم علم اليقين أن ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ليس رجلاً تقليدياً يقوم بمهام ومسئوليات كلاسيكية ولكنه اليوم يحمل ملفآ تنمويآ وتطويريآ يتجاوز حدود المملكة رغبة في إحداث نقلة نوعية في الشرق الأوسط وهذا ماكرره حفظه الله أكثرمن مرة في وسائل الإعلام . فنظرته التطويريه للمملكه العربية السعوديه لم تكن نظرة أنانيه تقيس دائرة الخير بالمتر وخطوط الحدود ولكنها نظرة خيرة تقوم على الأخذ بمبدأ شمولي يقوم على مفهوم التنمية الشاملة (macro-development) ويؤمن بأن تطور ونمو المجاورين هو واجب إنساني كما أنه كذلك في صلب مفهوم الأخوة العربيه فعندما يسعد أخي فأنا سعيد كذلك.

نحن هنا لسنا في موقع الدراسة العلمية واستجلاب الأرقام ولكن هذه المقالة البسيطة هي محاولة مني لعكس مشاعري كسعودي يؤمن بالتكامل الخليجي ضمن دائرة العروبة الكبرى الجامعة والشاملة. لقد تابعت مواقع التواصل الإجتماعي خلال هذه الزيارة المباركة فوجدت هذه المشاعر الرائعة من أخوتنا في دول الخليج وهي تنتشي بوجود محمد بن سلمان بينهم بل أن بعضهم قد يتجاوزنا نحن السعوديين بكلماته ومشاعره وهذا أوجد عندي حالة من الإنفعال دفعتني لكتابة المقال . وأرجو أن لايقول قائل أن هذا أمر روتيني في الزيارات الرسمية ولكنني أقول إن كان ذلك متوقع من الجهات الرسمية فإن المشاعر الشعبية الخاصة بوسائل التواصل الإجتماعي الحرة التي لم تعد ملك الجهات الرسمية تؤكد ما ذكرناه من أن محبة محمد بن سلمان أو على الأقل تقدير مايقوم به من جهود للتنمية والتطوير ومحاولة إحداث التغيير الإيجابي في دول المنطقة هو ماعبر عنه المرحبين والمحتفين من إخوتنا مواطني دول الخليج والمنصفين من غيرهم أما شعور القادة فنحن نعرفه ونتوقعه وليس عندنا شك في صدقه و في إتباعه للأعراف الدبلوماسية والبرتوكولية في إستقبال أي قائد أو زائر رسمي. أما مشاعر الناس ومايطلقونه في وسائل التواصل فهو مرآة صادقة وعاكسة لما يشعرون به دون توجيه أو رقيب. وعندما يتكلم البسطاء فستجد الصدق يقطر من أحرفهم

إن من حقي كمواطن سعودي أن أفخر بما يجده أمل المستقبل وقائد التنمية صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان من ترحيب وتقدير فلا خير في من لايسعد ويفرح برقي مجتمعه ونبوغ أبنائه على كل المستويات ودعكم من لا هم لهم إلا "قتل المتعه" ومحاربة الفرح . 

دامت أفراح الوطن ودامت أواصر الأخوة الخليجية وكفى الله وطننا العربي الكبير دسائس الكارهين والحاقدين.  

الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

كيف نقيس وندير تنميتنا؟ (1-4)

1- ضرورة اللمسة المحلية في العملية التنموية 

يقال أن صياغة السؤال أصعب من إجابته لإن القدرة على الوصول إلى جوهر الموضوع وطرح سؤال واضح يبين مكنون المسؤول عنه هي حالة ذهنية لا يوفق الكثيرون بالوصول إليها. نعم فإيجاد السؤال ليس بهذا البساطة لأن تركيبه يجب أن يحتوي عصارة الفكرة المراد الوصول لها.  وأخذاً بهذا الجدل أجدني محتاراً في الوصول إلى سؤال يراودني دائماً وهو كيف نقيس تنميتنا التي عشناها منذ إنشاء الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله؟ السعودية حققت قفزات تنموية خلال المائة عام الماضية وذلك في ضوء المفاهيم التقليدية للتنمية من حيث بناء الدولة وتوفير التجهيزات للبنية الأساسية وتحسين المستوى المادي لحياة المواطن. هذا الواقع لا خلاف عليه والأرقام شاهدة وساطعة أمام كل راغب في الإطلاع. ولقد كانت المرحلة الأولى من التنمية تقوم على قناعة ورؤية التنويريين لأن غالبية المجتمع في ذلك الوقت لم يكونوا ذوي تجربة كبيرة في التنمية وتندر فيهم الكوادر المتعلمة والمطلعة على مايحدث في العالم. ولذا كان مفهوم التنمية من أعلى إلى أسفل أمراً مقبولاً بل مرغوباً. لكن هل الحال اليوم كما كان بالأمس؟ الجواب طبعاً لا فالمجتمع اليوم مليء بالكفاءات ومستوى الوعي بأحسن حال والجامعات تنتشر على كامل رقعة الوطن. ومن هنا بدأنا نشاهد الحاجة إلى طرق أساليب أكثر حداثة في تحقيق التنمية وأن ما كان يرغبه الأجداد ليس بالضرورة ما يرغبه الأحفاد. فماهي المشكلة؟ ولماذا حرصت على طرح سؤال جاد عن التنمية؟ الحقيقة إن القلق الذي يدور عندي من موضوع التنمية هو إغفال البيئة الاجتماعية التي تعمل بها هذه التنمية والحاضنة لها. أي أن سؤال المليون (كما يقال) هو هل المجتمع كمكون أساسي ومستهدف للتنمية راضي ومقتنع بإبعاد التنمية وما وصلت إليه؟ بل قد نضع السؤال بصيغة أخرى أكثر حدة وهو هل المجتمع ليس متضرراً من بعض برامج وتوجهات التنمية التي فرضتها عليه الأجهزة الحكومية؟ وفي هذه المناسبة أتذكر حديثاً دار بيني وبين زميل متخصص في التنمية وكنا في زيارة لإحدى المحافظات أثناء إعداد استراتيجيات تنموية لبعض مناطق المملكة وكنا في جزء من المحافظة يغلب عليه النشاط الزراعي وتناثر التجمعات السكانية وكان أكثر السكان يعمل في نشاطي الزراعة والرعي وكانت قراهم تنعم بحد معقول من الخدمات الأساسية . فكان سؤال الزميل لماذا نريد أن نغير واقعهم عن طريق التخطيط؟ وهل هم غير راضين عن واقع حالهم؟ ولعل كلمة الزميل مازالت ترن في سمعي وهي أنه في أحيان كثيرة يكون "أحسن أساليب التخطيط هو عدم وجود تخطيط". ما أريد أن أصل إليه هو أن وجود واقع حال متصاف مع محيطه ومنسجم مع بيئته خير من تدمير هذا الواقع بدعوى نقلهم إلى مستوى أفضل من التنمية وذلك بإدخال معطيات جديدة وتخريب النسيج الاجتماعي والاقتصادي القائم والذي له جذور تمتد لمئات السنين. يقول المثل الشعبي "ما كل بيضاء شحمة" فمن واقع تجربتي الشخصية (وليس بالضرورة أنها صحيحة) إن هنالك مسافات دقيقة وحساسة بين فرض التنمية وطلب التنمية من مجتمع ما. وهذه المسافات من الدقة والأهمية بحث لا يعرفها ولا يحس بها إلا من هو مرتبط بالمجتمع وأحد أبناءه الواعين لمتطلباته ولذا فإن إعطاء الخيط والمخيط لخبراء التنمية العالميين ليس ميزة كبيرة كما قد يرى بعض موجهي التنمية لأن منطلقاتهم  وفلسفتهم لا تنبع من فهم الواقع المحلي ولا تتشرب مطالب ورغبات المستهدفين بالتنمية بل أنهم (أي أكثر الخبراء الأجانب) يركنون على الكتب والنظريات العالمية فهم ليسوا مستعدين لإجراء تعديلات على نظرياتهم وأساليبهم ولكنهم يطلبون تغيير البيئة المحلية (سكاناً وأرضاً ومبادئ) لتتناسب مع نظرياتهم !!! ولعل ذلك الغلو التنموي هو ما أدى إلى فشل كثير من البرامج التنموية في دول العالم الثالث خاصة في أمريكا الجنوبية وآسيا. ومن الطرف في هذا المجال يذكر أن عالماً مشهوراً كان وصل إلى نماذج معينة للتنمية تقوم على بناء مصفوفات ونماذج محددة وبإدخال أرقام المجتمع المستهدف يتم اختيار النموذج المطلوب لتنمية ذلك المجتمع. وبناء على شهرة هذا العالم فقد استدعته إحدى الدول الراغبة في التنمية للإستفادة من خبرته وتجربته لكي يقدم لها النصائح اللازمة. وعندما وصل لهذه الدولة المعنية وتم مناقشته بماذا يقترح قال لهم لا بد من استكمال بيانات النموذج العلمي القائم على مدخلات وبيانات محددة قبل أن استطيع إبداء أي رأي فوقع الداعون له في حيرة ولكنهم أخبروه أخيراً بأنه لو كانت طلباته متوفرة لكي يبدي النصيحة لما احتاجوا لدعوته وصرف الأموال على رحلته.

فأصبح الحال كأن هنالك شخصين يجلس كل منهما على رأس جبل ويريد من الآخر أن يمشي بإتجاه دون وجود جسر يصلهما ببعض. المهم بعد جولة من النقاشات اقتنعت الدولة الداعية بأنها تضيع مالها ووقتها مع هذا الخبير فشكرته وطلبت منه المغادرة ... إلخ ولعل الأمثلة من هذه النوعية من الخبرات والخبراء كثيرة لا تعد ولا تحصى لو أردنا سردها.

المهم إن الاستفادة من الخبرات العالمية أمر غير ممنوع ولكن يجب أن يوضع في إطاره الصحيح لكي يكون إضافة وليس بديلاً للتجربة المحلية والمثل يقول "ما حك جلدك مثل ظفرك" .

ولكي نحقق تنمية مستدامة وناجحة فيجب أن نديرها ونوجهها باللمسة المحلية والتجربة الوطنية ولكي نضمن إستمرار نجاحها فيجب أن نقيسها بمدى رضا المجتمع المحلي عنها وسعادته من مخرجات التنمية وحسب معاييره الخاصة. ولو أخذنا مثالاً متطرفاً لذلك بهدف الإيضاح ونزلنا إلى حدود السلوك الشخصي فمن يقول أن العيش في شقة فخمة بها مظاهر الحداثة في مبنى يتكون من 30 دوراً هو ما يناسب ساكن مدينة صغيرة بدلاً من سكن بسيط لا يتعدى ارتفاعه 4 أمتار حتى لو كان من الطين أو البلوك ولكنه يعطيه راحة نفسية ويزيد من تواصله مع بيئته الاجتماعية والاقتصادية التي يرغب ويفهم وتمكنه من الإنجاز والإنتاج في ضوءها.

أعلم أن الموضوع متشعب وقد لا يجد قبولاً عند المتأثرين بناطحات السحاب ومدن النيون واللوحات الإعلانية العملاقة والصاخبة ولكن ما أطرحه هو رأي له وجاهته على مستوى العالم فالتنمية ليست نظريات ونماذج جامده تفرض على الجميع ولكنها تمكين للمجتمع واستثمار لموارده حسب احتياجه ورغباته وإعطاء أهمية قصوى للبعد المحلي الذي يتقبله المستهدفون بالتنمية .

في الجزء (2) من الإجابات على الموضوع سوف نحاول أن نطرح معياراً هاماً يمكن الإسترشاد به لقياس التنمية الشاملة ومدى أخذها بالبعد المحلي كمكون أساسي وهام.


الأربعاء، 3 نوفمبر 2021

بوح مواطن بشأن التنمية

يعتبر تحقيق التنمية ومدى النجاح في ذلك هو الشغل الشاغل لكل حكومات العالم بصرف النظرعن نوع الحكومة وقناعاتها ومبادئها الفكرية والسياسية التي ترتكي عليها في إدارة الحكومة وتسيير الحياة في الحيز المكاني المسئولة عنه.وبدون الدخول في تعقيدات الإرث الفكري والإطارات العلمية من نظريات ومدارس قد يكون شرحها في هذا المقام هو بمثابة لزوم مالايلزم لذا فإن المناسب هنا أن نبين ونوضح مايخدم المقالة عن طريق إستعراض بعض الركائز الأساسية ذات التأثير المباشر على الفهم الرئيسي المستهدف للمقاله . وعليه نقول أن التنمية المستهدفة في أي مجتمع تقع وبشكل مؤكد على نقطة من الخط الواصل بين نقطتتي التطرف في مسارالتنميه وهما الكفاءة في استخدام الموارد) (efficiency) وهو مايعرف بالفاعلية  والعداله (equity) والذي يطالب بإيصال منافع التنمية للجميع. ولعله من نافلة القول أن نوضح أن إختيار النقطة المناسبة على خط التنمية لأي مجتمع تحكمه العديد من العوامل والمعطيات السياسية والطبيعية والإجتماعية التي تجبر أي مجتمع أن يحط رحاله ويختار القرب أو البعد عن المحطتين الرئيستين (الكفاءة والعداله). وعادة يقوم القادة بتحريك موقع مجتمعاتهم حسب المتغيرات والمستجدات وحسب مايسمح الواقع الدولي والمحلي في مقدارهذا التحرك.

وبعدهذه المقدمة البسيطة التي أرجو أن تكون مساعدة في الولوج إلى ما نأمله من المقالة وهو معرفة واقعنا التنموي وكيف نقيمه وماهي المعايير المناسبة لقياس معدلات التنمية ومدى نجاحها وتوافقها مع وطننا أسمحوا لي بالإنتقال إلى التنمية السعودية خاصة في هذه المرحلة 
الهامة والتي تمثل مرحلة الأستعداد للإنطلاق وصولآ للعام2030. إن الأسس التي بدأت تتضح معالمها تؤكد على حقيقة أن المملكة العربية السعودية قد أخذت القرار النهائي بالتخلص من الإعتماد على النفط كمصدر وحيد ومحرك أوحد للتنمية والعمل على اللإلتزام بتنويع مصادر الدخل الوطني.صحيح أن الخطط الخمسية ولمدة أربعين عامآ  تكرر ذلك ولكنه كان طرحآ نظريآ يحوقل بين النظرية والتطبيق  حتى أصبح "كليشة" توضع كل خمس سنوات بدون إهتمام حتى يظن الواحد أن النساخ الذين يتولون أمور الطباعة يضعونها من قبلهم دون عناء أخذ موافقة المسئول فهو إجراء روتيني ولقد كانت الأرقام في نهاية كل خطة خمسية شاهدآ حيآ على واقع الحال حيث لم يتحقق الكثير . ولذا عندما إنطلقت رؤية 2030 لم يلتفت كثيرون إلى حجم التغيير القادم وأن عراب الرؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان سيكون متابعآ لتفاصيل التفاصيل وأنه سيدير المسار التنموي كمسئول تنفيذي أكثر منه كقائد سياسي. ولذا أصبح التنفيذ والكوادر المسئولة عنه مرحلة مختلفة عن ما عرفناه وعشناه خلال كل الحقب السابقة فالأرقام والنتائج ليست في بطون التقارير المنمقه ولكن بعقل وذهن المسئول الأول وهو الذي بالواجهة لطرحها وإيضاحها والدفاع عنها إذا أحتاج الأمر ذلك.ومن يكن جادآ في متابعة هذا التغير فإن مراقبة الحال  تغنيه عن كل دليل حيث أصبح التمكين للسعودين خاصة العنصر النسائي واقعآ مشاهدآ وليس من ضمن ديكور المحلات كما شهدنا في مرحلة ما. إن تولي شابة سعودية لكافة أمور المحل وبكافة احتاجاته حتى وصل الأمر إلى تولي فتح وغلق المحل وجرد سلعه أمر نراه بأعيوننا كل يوم . مثال أخر على الواقع الجديد ألا وهو مفهوم فلسفة الوزراء حيث ولى عصر البشوت والحاشيه والتفخيم الزائد عن حده وأصبح الوزير يمثل مسئولآ له إحترامه ومسئوولياته ولكنه لم يعد جالب الأرزاق وقاطع الأعناق . كذلك شهدنا واقعآ جديدآ يعكس مانحن له سائرون ألا وهو توجه الشباب للعمل بالقطاع الخاص والبحث عن الفرص الجيده فأصبح معدل تنقل الشاب للوظائف مرتفعآ بل أن الجهة التي يغادرها تقيم له الإحتفال والتكريم فأصبحت مكونات القطاع الخاص قريبة لمثيلاتها في العالم المتقدم .إن هذه الأمثلة(وهي غيض من فيض) تمثل معايير جديدة تتوافق مع المعايير الدولية وتؤخذ كمؤشرات قياسية لتقييم التنمية بمفهومها الشامل وهي تعكس حيوية الإقتصاد وكفاءة سوق العمل .وحتى لا نطيل في تعريف المعرف فلنتفق على أن التنوع الصناعي وإستثمار الموارد التعدينية ونمو القطاع السياحي وجاذبية الترفيه وتحقيق العوائد المربحة المنعكسة في الناتج الوطني لم تعد أحلامآ وإنما حقائق على وجه الأرض للمشاهد الغير مختص وكذك أرقام وحقائق يقراءها المختص بالتنمية والسياسات الإقتصادية.إن تنوع مصادر الدخل ليس مقتصرآ ومشاهدآ على نمو القطاعات الإقتصادية فقط ولكنه موجودآ ومنتشرآ على رقعة مكانية أكبر من مساحة المملكه. أي أن التمية لم تقف عند وجه واحد من عملة التنمية ولكنها تعاملت مع الوجه الأخر وهو التنمية المكانية . في وصول المملكة لهذا المستوى والوعي التنموي نكون وصلنا إلى قمة الهرم بإدارة التنمية ومعالجة جانبيها القطاعي والمكاني وهذا والله هو أقصى مايأمله كل مهتم بالتنمية الشاملة بحيث تتحقق طرفي معادلة التنمية المنشودة ألا وهما الكفاءة والعدالة. كل المعطيات تقول نحن في الطريق الصحيح وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان يمسك بزمام التنمية بيديه ولم يتركه للتنفيذيين وحدهم وهذا  هو أقوى وسيلة وأعظم تجربة لنجاح تجربة تنموية ستكون نموذجآ يدرس ويوضع كمعيار لمن يريد تحقيق تنمية في مجتمعه.إن أرقام وحقائق الثلاث سنوات الماضية (على الرغم من جائحة كورونا)تجعل سنة 2030 نقطة زمنية هائلة الضوء سيراها الكثيرون ممن يمد الله في أعمارهم ويعلمون أن ماكان أحلامآ لديهم كان برنامجآ واضحآ لمن وضعه وخطط له وهو قائد المسيرة الحديثة محمد بن سلمان.نعم نحن نعيش الآن لحظة تاريخية مميزه ولكن ماهو قادم سيكون أبهى وأكثر تميزآ .
وفي ختام هذا البوح الصادق نحوالتمية الوطنية فانني ألخص قناعتي بأن نتابع التطور التنموي بعدد من المعايير التي تقيس النجاح في المسار التنموي وهي :
1_نسبة السعوديين في كل مشروع أو برنامج على حده ونسبتهم بصفة عامة من حجم القوى العاملة في القتصاد.
2_مدى تغطية التنمية لكافة أرجاء الوطن فكل ما إتسع ذلك كلما أصبحت حصيلة التنمية موزعة بعدالة بين أنحاء الوطن وبالتالي المواطنين.
3_زيادة حجم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة بالسوق بشرط أن تكون بإدارة ملاكها مباشرة .
4_إرتفاع حجم القروض الإستثمارية لصغار المستثمرين وتحويل البنوك لتكون محركآ للتنمية وليس وسيلة للإحتكار وخدمة النخب.
5_تشجيع ومساندة رجال الأعمال وليس رجال المال . وهناك فرق واضح بينهما ومدى الفائدة من كل منهما على التنمية المستقبلية.

الله نسأل بإن يمد بعمر قائد الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وأن يعين ربان سفينة التنمية وباني مستقبلنا صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.